ومن ذلك ما أنشدَه الشيخُ أبو عليّ في " الإغفالِ " - الطويل - : .
( ولَوْلا جِنَانُ اللَّيلِ ما آبَ عامرٌ ... إلى جَعْفرٍ سِربالُهُ لم يُمزَّقِ ) .
وَمِمّا ظاهِرُهُ أنَّه منه قولُه - البسيط - : .
( إذا أتَيتَ أبا مَرْوانَ تَسْأّلُهُ ... وجدتَهُ حاضِرَاهُ : الجُودُ والكَرَمُ ) .
فقولُه : " حاضراه الجودُ " : جملة من المبتدأ والخبر كما تَرى وليس فيها وَاوٌ والموضعُ موضعُ حال ألا تراكَ تقولُ : أتيتُهُ فوجدتُه جالساً فيكونُ جالساً حالاً ذاك لأنَّ " وجدتُ " في مثلِ هذا منَ الكلام لا تكونُ المتعديةَ إلى مفعولينِ ولكنْ المتعديةُ إلى مفعولٍ واحدٍ كقولكَ : وجدتُ الضاَّلةَ . إلا أنه ينبغي أن تعلمَ أنَّ لتقديمهِ الخبرَ الذي هو " حاضراه " تأثيراً في معنى الغِنى عن الواوِ وأنه لو قالَ : وجدتُه الجودُ والكرمُ حاضراهُ لم يحسُنْ حُسنه الآنَ . وكان السببُ في حسنِه معَ التقديم أنه يقرُبُ في المعنى مِنْ قولكَ : وجدتُه حاضُره الجودُ والكرمُ أو حاضراً عندَه الجودُ والكرمُ .
وإن كانِت الجملةُ من فِعْلٍ وفاعلٍ والفعلُ مضارعٌ مُثْبتٌ غيرُ منفي لم يكَد يجيءُ بالواوِ بل ترى الكلامَ على مَجيئها عاريةً منَ الواو كقولك : جاءني زيدٌ يسعى غلامُه بينَ يديِه . وكقوله - البسيط - : .
( وَقَدْ عَلَوْتُ قُتُودَ الرَّحْل يَسْفَعُني ... يومٌ قُدَيْديمَةَ الجوزاءِ مسمومٌ )