وتصويرهُ إياها لبقيتْ كامنةً مستورةً ولَما اسْتَبنتْ لها يدَ الدَّهرِ صُورةً ولا ستمرَّ السَّرار بأَهِلَّتِها واسْتَولى الخَفاءُ على جُملتِها . إلى فوائدَ لا يُدركُها الإحصاءُ ومحاسنَ لا يحصُرُها الاستقصاءُ . الا أنّك لن تَرى على ذلك نوعاً من العلم قد لقيَ من الضَّيْم ما لَقِيَهُ ومُنِيَ منَ الحَيْفِ بِما مُنِيَ به ودَخل على الناسِ منَ الغلطِ في مَعْناهُ ما دخلَ عليهم فيهِ . فقد سَبقتْ إلى نُفوسهم اعتقاداتٌ فاسِدةٌ وظنونٌ رديَّةٌ وركبَهُم فيه جهلٌ عظيمٌ وخطأٌ فاحشٌ . تَرى كثيراً منهم لا يَرى له معنىً أكثرَ ممَّا يُرى للإشارةِ بالرأس والعين وما يجده للخَطَّ والعَقْد .
يقولُ : إنَّما هو خبرٌ واستخبارٌ وأمرٌ ونهيٌ . ولكلٍّ مِن ذلك لفظٌ قد وُضِعَ له وجُعِلَ دليلاً عليه . فكلُّ مَنْ عَرف أوضاعَ لغة منَ اللّغات عربيةً كانت أو فارسيّةً وعرفَ المغْزى من كلَّ لفظةٍ ثم ساعدَهُ اللّسانُ على النُّطق بها وعلى تَأديةِ أجراسِها وحُروفِها فهو بَيَّنٌ في تلك اللّغةِ كاملُ الأداةِ بالغٌ منَ البيانِ المبلغَ الذي لا مزيدَ عليه مُنتهٍ إلى الغايةِ التي لا مذهَبَ بعدَها .
يسمعُ الفَصاحةَ والبلاغةَ والبراعةَ فلا يعرفُ لها معنىً سوى الإِطْنابِ في القول وأن يكونَ المتكلَّمُ في ذلك جَهيرَ الصَّوْت جاريَ اللّسان لا تعترضُهُ لُكْنَةٌ ولا تقفُ بهِ حُبْسةٌ . وأنْ يستعملَ اللفظَ الغريبَ والكلمةَ الوَحشيَّةَ . فإِنِ اسْتظهرَ للأمرِ وبالغَ في النظرِ فأنْ لا بلحنَ فيرفعُ في موضعِ النّصبِ أو يخطىء فيجيءُ باللفظةِ على غيرِ ما هيَ