الصناعة مطهر من الأرجاس لقال لهم لسان البلاغة مروا أبا بكر فليصل بالناس فكيف يسوغ للمملوك أن يدعي غير هذا وكيف ولم ولماذا أحسدا على الأدب فما أهجرني له من عصر الصبا بحمد الله وما أغناني أو تفاخرا بالنظم فما أشغلني عنه بتدبير الممالك بما عناني نعم وإن كان جوهر الألفاظ مما يحسد عليه فما أزهدني والله في هذا العرض الفاني ومنها والمسؤول من احسانه أمران الجواب فإنه يقوم عند المملوك مقام الفرج من هذه الشدة والآخر رد كل فاسق عن الباب العالي فإن أبا بكر أول من تصلب في الرده وبلغ المملوك أن هذا الضرير قصد بعض الأصحاب برمية كهذه فأصمى وتردد إليه مرة أخرى ( فعبس وتولى أن جاءه الأعمى ) .
ومن ذلك ما كتبت به إلى المقر الصاحبي الفخر المشار إليه بعد توجهي من خدمته إلى دمشق المحروسة ومشاهدتي ما قدر الله عليها من الحريق والحصار من قبل الملك الظاهر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وهذه الرسالة التي سارت بها الركبان وجاء لبديع الاقتباس في معانيها بيان وهي يقبل الأرض التي من يممها أو تيمم ترابها حصل له الفخر والمجد فلا برح هيام الوفود إلى أبوابها أكثر من هيمان العرب إلى ربا نجد ولا زالت فحول الشعراء تطلق أعنة ألفاظها وتركض في ذلك المضمار وتهيم بواديها الذي يجب أن ترفع فيه على أعمدة المدائح بيوت الأشعار وينهى بعد أشواق أمست العين بها في مجاري العين معثره ولو لم يقر إنسانها بمرسلات الدمع لقلت في حقه ( قتل الإنسان ما أكفره ) وصول المملوك إلى دمشق المحروسة فيا ليته قبض قبل أن يكتب عليه ذلك الوصول ودخوله إليها والله لقد تمنى خروج الروح عند ذلك الدخول ومنها وتطرقت بعد ذلك إلى الحدادين ولقد نادتهم النار بلسانها من مكان بعيد ( اتوني زبر الحديد ) ولقد كان يوم حريقها يوما عبوسا قمطريرا ضج المسلمون فيه من الخيفة وقد رأوا سلاسلا وأغلالا وسعيرا يا مولاي لقد لبست دمشق في هذه المآتم السواد وطبخت قلوب أهلها وسلقوا من الأسنة بألسنة حداد ولقد نشفت عيونهم من الحريق واستنشقوا فلم ينشقوا رائحة الغادية وكم رؤي في ذلك اليوم وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حاميه وكم رجل تلا عند لهيب بيته ( تبت يدا أبي لهب ) وخرج هاربا وامرأته حمالة الحطب