وسمعت أن بعض علماء الإنشاء صنع مؤلفا في أحكام الفواصل ومن ذلك أن المراد من علم الإنشاء البلاغة في المقاصد والبلاغة هي أن يبلغ المتكلم بعبارته كنه مراده مع إيجاز بلا إخلال وإطالة من غير إملال والفصاحة خلوص الكلام من التعقيد وقيل البلاغة في المعاني والفصاحة في الألفاظ فيقال لفظ فصيح ومعنى بليغ والفصاحة خاصة تقع في المفرد يقال كلمة فصيحة ولا يقال كلمة بليغة وأنت تريد المفرد فإنه يقال للقصيدة كلمة كما قالوا كلمة لبيد ففصاحة المفرد خلوصه من تنافر الحروف والفصاحة أعم من البلاغة لأن الفصاحة تكون صفة للكلمة والكلام يقال كلمة فصيحة وكلام فصيح والبلاغة لا يوصف بها إلا الكلام فيقال كلام بليغ ولا يقال كلمة بليغة واشتركا في وصف المتكلم بهما فيقال متكلم فصيح بليغ .
فمن الإنشاء الفصيح البليغ قول ابن عباد وقد قيل له ما أحسن السجع فقال ما خف على السمع فقيل مثل ماذا مثل هذا ومنه ما كتب به عبد الحميد عند ظهور الخراسانية بشعار السواد فاثبتوا ريثما تنجلي به هذه الغمرة وتصحو هذه السكرة فينصب السيل وتمحى آية الليل ومنه قول أبي نصر العتبي دب الفشل في تضاعيف أحشائهم وسرى الوشل في تفاريق أعضائهم فجيوب الأقطار عنهم مزروره وذيول الخذلان عليهم مجروره ومنه قول الصابي نزغ به شيطانه وامتدت في الغي أشطانه ومنه قول بديع الزمان كتابي إلى البحر وإن لم أره فقد سمعت خبره والليث وإن لم ألفه فقد تصورت خلقه ومن رأى من السيف أثره فقد رأى أكثره ومنه قول القاضي الفاضل C ووافينا قلعة نجم وهي نجم في سحاب وعقاب في عقاب وهامة لها الغمامة عمامه وأنملة إذا خضبتها أيدي الأصيل كان الهلال لها قلامه .
ويعجبني في هذا الباب من إنشاء الشهاب محمود قوله في وصف مقدم سرية لا زال في مقاصده أخف من وطأة ضيف وفي مطالبه أخفى من زورة طيف وفي تنقله أسرع من سحابة صيف وأروع للعدا من سلة سيف ومثله في الحسن قوله في صدر مثال شريف سلطاني أصدرناها والسيوف قد أنفت من الغمود ونفرت من قربها والأسنة قد ظمئت إلى موارد القلوب وتشوقت إلى الارتواء من قلبها والسيوف قد أضرمت الحمية