ومن هذه الجهة بعينها عابوا على أبي الطيب المتنبي خطابه لممدوحه في مطلع قصيدة حيث قال .
( كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكن أمانيا ) .
ومن مستقبحات الابتداء قول البحتري وقد أنشد يوسف بن محمد قصيدته التي أولها .
( لك الويل من ليل تقاصر آخره ... ) .
فقال بل لك الويل والخزي وأما قصة إسحاق ابن إبراهيم الموصلي في هذا الباب فإني أنفعل وأخجل عند سماعها وما ذاك إلا أنه دخل على المعتصم وقد فرغ من بناء قصره بالميدان فشرع في إنشاء قصيدة نزل بمطلعها إلى الحضيض وكان هو وحكاية الحال في طرفي نقيض وهو .
( يا دار غيرك البلا ومحاك ... يا ليت شعري ما الذي أبلاك ) .
فتطير المعتصم من قبح هذا المطلع وأمر بهدم القصر على الفور فنعوذ بالله من آفة الغفلة هذا مع يقظة إسحاق وسير الركبان بحسن محاضرته ومنادمته للخلفاء ولكنه قد يخبو الزناد وقد يكبو الجواد مع أنه قيل إن أحسن ابتداء ابتدأ به مولد قول إسحاق الموصلي حيث قال .
( هل إلى أن تنام عيني سبيل ... إن عهدي بالنوم عهد طويل ) .
فانظر إلى هذا الأديب الحاذق المتيقظ كيف استطردت به خيول السهو إلى أن خاطب المعتصم في قصر رياحين تشييده غضة بخطاب الأطلال البالية وانظر إلى حشمة أبي نواس كيف خاطب الدمن بخطاب تود القصور العالية أن تتحلى بشعاره مع بلوغه في تناسب القسمين الطرف الأقصى حيث قال .
( لمن دمن تزداد حسن رسوم ... على طول ما أقوت وطيب نسيم ) .
وقصة ذي الرمة مع عبد الملك تقارب قصة إسحاق مع المعتصم فإنه دخل عليه يوما فأمره بإنشاد شيء من شعره فأنشد قوله .
( ما بال عينك منها الماء ينسكب ) .
وكان بعين عبد الملك رمش فهي تدمع أبدا فتوهم أنه خاطبه وعرض به فقال له ما سؤالك عن هذا يا ابن الفاعلة .
فمقته وأمر بإخراجه