وما أحلى ما ناسب ابن هانئ قسمي مطلعه بالاستعارات الفائقة حيث قال .
( بسم الصباح لأعين الندماء ... وانشق جيب غلالة الظلماء ) .
وقال الشريف أبو جعفر البياضي يشير إلى الرفق بالإبل عند السرى وتلطف ما شاء في تناسب القسمين حيث قال .
( رفقا بهن فما خلقن حديدا ... أو ما تراها أعظما وجلودا ) .
وهذه القصيدة طريقها الغريب لم يسلكها غيره فإنه نسجها جميعها على هذا المنوال ومنها .
( يفلين ناصية الفلا بمناسم ... وسم الوجا بدمائهن البيدا ) .
( فكأنهن نثرن درا بالخطا ... ونظمن منه بسيرهن عقودا ) .
ومما يعذب في الذوق من هذا الباب قول ابن قاضي ميلة .
( يزيد الهوى دمعي وقلبي المعنف ... ويحيي جفوني الوجد وهو المكلف ) .
وقد نبه مشايخ البديع على يقظة الناظم في حسن الابتداء فإنه أول شيء يقرع الأسماع ويتعين على ناظمه النظر في أحوال المخاطبين والممدوحين وتفقد ما يكرهون سماعه ويتطيرون منه ليتجنب ذكره ويختار لأوقات المدح ما يناسبها .
وخطاب الملوك في حسن الابتداء هو العمدة في حسن الأدب فقد حكي أن أبا النجم الشاعر دخل على هشام بن عبد الملك في مجلسه فأنشده من نظمه .
( صفراء قد كادت ولما تفعل ... كأنها في الأفق عين الأحول ) .
وهشام بن عبد الملك أحول فأخرجه وأمر بحبسه .
وكذلك اتفق لجرير مع أبيه عبد الملك فإنه دخل عليه وقد مدحه بقصيدة حائية أولها .
( أتصحو أم فؤادك غير صاح ... ) .
فقال له عبد الملك بل فؤادك يا ابن الفاعلة