البعيد المورى عنه وهو المراد لأن الحق سبحانه منزه عن المعنى الأول ولم يذكر من لوازم هذا شيئا ولا من لوازم ذاك فالتورية مجردة بهذا الاعتبار ومنه قول النبي في خروجه إلى بدر وقد قيل له ممن أنتم فلم يرد أن يعلم السائل فقال من ماء وأراد أنا مخلوقون من ماء فورى عنه بقبيلة من العرب يقال لها ماء ومن ذلك قول أبي بكر الصديق Bه في الهجرة وقد سئل عن النبي فقيل من هذا فقال هاد يهديني أراد أبو بكر هاديا يهديني إلى الإسلام فورى عنه بهادي الطريق الذي هو الدليل في السفر ومنه قول القاضي عياض في سنة كان فيها شهر كانون معتدلا فأزهرت فيه الأرض .
( كأن نيسان أهدى من ملابسه ... لشهر كانون أنواعا من الحلل ) .
( أو الغزالة من طول المدى خرفت ... فما تفرق بين الجدي والحمل ) .
فالتورية هنا مجردة والشاهد في الغزالة والجدي والحمل فإن الناظم لم يذكر قبل الغزالة ولا بعدها شيئا من لوازم المورى به كالأوصاف المختصة بالغزالة الوحشية من طول العنق وسرعة الالتفات وسرعة النفرة وسواد العين ولا من أوصاف المورى عنه كالأوصاف المختصة بالغزالة الشمسية من الإشراق والسمو والطلوع والغروب فإن قيل إن الغزالة قد رشحت بذكر الجدي والحمل وهما مرشحان بالغزالة فالجواب إن لازم التورية من شرطه أن يكون لفظه غير مشترك والغزالة هنا مشتركة وكذلك الجدي والحمل .
ومنه قول القاضي محيي الدين بن زيلاق وقد أهدى لصاحب الموصل حملا .
( يا أيها المولى الذي ... ببابه كل أمل ) .
( لو لم تكن بدرا لما ... أهدى لك الثور حمل ) .
فالتورية وقعت بين البدر والثور والحمل ولم يذكر لواحد منهما لازما فالبدر مشترك بين اسم الممدوح وبدر السماء والثور مشترك بين الحيوان والبرج في السماء وكذلك الحمل ومنه قول بعضهم من كان وكان .
( لو سنبله خلف ظهرو ... ناظر إليها المشترى ) .
( ولو ذنب ما يقارن ... حتى يرى الميزان )