سبحان المانح والله من لا يتعلم الأدب من هنا فهو من المحجوبين عن إدراكه .
وكتب إليه الشيخ صلاح الدين الصفدي قصيدة ضمن فيها إعجاز معلقة امرئ القيس وصرح في براعتها بغليظ العتب ولم يأت في البراعة بإشارة لطيفة يفهم منها القصد بل صرح وقال .
( أفي كل يوم منك عتب يسوءني ... كجلمود صخر حطه السيل من عل ) .
فأجابه الشيخ جمال الدين بقصيدة ضمن فيها الأعجاز المذكورة وبراعة استهلالها .
( فطمت ولائي ثم أقبلت عاتبا ... أفاطم مهلا بعض هذا التدلل ) .
والإشارة بقوله أفاطم مهلا بعض هذا التدلل لا يخفى على حذاق الأدب ما مراده منها وفي هذا القدر كفاية وما أحلى ما قال بعده وهو مما قصده في تلك الإشارة .
( فدونك عتب اللفظ ليس بفاحش ... إذا هي نصته ولا بمعطل ) .
وهنا بحث وهو إني وقفت على بديعية الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن جابر الأندلسي الشهيرة ببديعية العميان فوجدته قد صرح في براعتها بمدح النبي وهي .
( بطيبة إنزل ويمم سيد الأمم ... وانثر له المدح وانشر طيب الكلم ) .
فهذه البراعة ليس فيها إشارة تشعر بغرض الناظم وقصده بل أطلق التصريح ونثر المدح ونشر طيب الكلم فإن قال قائل إنها براعة استهلال قلت إن البديعية لا بد لها من براعة وحسن مخلص وحسن ختام فإذا كان مطلع القصيدة مبنيا على تصريح المدح لم يبق لحسن التخلص محل ولا موضع ونظم هذه القصيدة سافل بالنسبة إلى طريق الجماعة غير أن الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أبا جعفر الأندلسي شرحها شرحا مفيدا .
وهنا فائدة وهو أن الغزل الذي يصدر به المديح النبوي يتعين على الناظم أن يحتشم فيه ويتأدب ويتضاءل ويتشبب مطربا بذكر سلع ورامة وسفح العقيق والعذيب