وألح المصنف بعد ذلك على المقر المجدي فضل الله بن مكانس فكتب يا لطيف نظرت هذه السيرة التي يعرض عنها المعارض وينزو مؤلفها في رياض الأدب على بكر من سوام المعاني وفارض فوجدته قد نهض بعبء ثقيل من الكلام وقام وأوقف البلغاء في مقام العجز ويعذر العاجز إذ شرفها بذكر مولانا السلطان في هذا المقام خلد الله ملكه الشريف وعم بعدله المبسوط مدائن فضل ذات ظل وريف وجعل أيامه الزاهرة تواريخ السعود ومغانم الوفود ومواسم الكرم والجود وثبت قواعد سلطانه على التخوم ورفع جنابه المعظم على الأفلاك حتى تسير لخدمته ممنطقات بمناطق النجوم وأعز دولته عزا يذل له الدبر والأملس وتلبس أثوابه في الأرض ويخص محله الرفيع من تلك الأفلاك بالأطلس هنالك ينحني الهلال لتقبيل أقدامه ويمتد كف الثريا لاستجداء صوب غمامه ويتضاءل كل منهما فيصير هذا نعل فرسه وهذا حلية لجامه وملكه رقاب العباد وأمضى أحكام سيوفه في رقاب أهل العناد حتى يشهد الدين أنه قام بحقوقه نافلة وفرضا وسعى في مراضي الله فزلزل ديار الكفار سماء وأرضا ضاعف الله ثواب عمله المقبول وأنشد بشكره لسان العالم حتى ينطق ويقول .
( السيد المالك الملك المؤيد سيف ... الدين شيخ حوى العليا وأرضاها ) .
( وشيد الدين والدنيا ببيض ظبا ... إن لم تضاه به في الحرب أمضاها ) .
ثم كررت النظر فيها واستنهضت القلم المكتابة عليها حسب سؤال منشيها فنكس القلم من الخجل رأسه وصعد من صريره أنفاسه وقال لست ممن يجيد في هذا التقريض عباره ولا ينهض في وصف ما جاء به هذا الرجل من متين كلمه الذي أفحم الفحول فكأنما ألقمهم حجاره فلقد ترفع قلمه في أرض قرطاسه وسما وأتى من الرقيق بشيء يحسبه الظمآن ماء وقذف الرعب في القلوب بذكر الوقائع فورمت خوفا وشكت