فعند التناهي ولقد شوقتني ظباء المعالي في هذا المسرح إلى الالتفات فقلت ملتفتا إلى تلك الليالي المقمرة بنوره وقطوف الفواكه البدرية دانيات .
( أيا بدرا سما أفق المعالي ... وأوقع طائرا من كل نسر ) .
( ذكرت لياليا بك قد تقضت ... فيا شوقي إلى ليلات بدر ) .
وأما بيت القصيدة أعني البديعية فإنه البيت الذي حظيت من بابه بالفتح وناداه الغير من وراء حجراته وتغايرت ظباء الصريم وهو في سرب بديعه على حسن التفاته وودت ربوع البديعيات أن يسكن منها في بيت ولكن ( راودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت ) ولقد أنصف الحريري في المقامة الحلوانية عند إيراد البيت الجامع لمشبهات الثغر بقوله يا رواة القريض وأساة القول المريض إن خلاصة الجوهر تظهر بالسبك ويد الحق تصدع رداء الشك .
وها أنا قد عرضت خبيئتي للاختبار وعرضت حقيبتي على الاعتبار وقلت وأنا ماش في عرض بيت بديعيتي على هذا السنن وأرجو أن يكون بحسن التفاته في مرآة الذوق مثل الغزال نظرة ولفتة وسأبرزه بين أقرانه وإذا انسدلت غدائر الأشكال ظهر الفرق من نور بيانه فبيت الشيخ صفي الدين .
( وعاذل رام بالتعنيف يرشدني ... عدمت رشدك هل أسمعت ذا صمم ) .
ولم ينظم العميان في بديعيتهم هذا النوع وأما بيت عز الدين .
( وما التفت لساع حج في شغف ... ما أنت للركن من وجدي بملتزم ) .
وبيت بديعيتي .
( وما أروني التفاتا عند نفرتهم ... وأنت يا ظبي أدري بالتفاتهم ) .
فهذا البيت فيه التورية بتسمية النوع وقد برزت في أحسن قوالبها ومراعاة النظير في الملائمة بين الالتفات والظبي والنفرة والانسجام الذي أخذ بمجامع القلوب رقة والتمكين الذي ما تمكنت قافية باستقرارها في بيت كتمكين قافيته والسهولة التي عدها التيفاشي في باب الظرافة وناهيك بظرافة هذا البيت والتوشيح وهو الذي يكون معنى أول الكلام دالا على آخره ورد العجز على الصدر والالتفات الذي هو المقصود دون غيره من الأنواع فقد اشتمل هذا البيت على ثمانية أنواع من البديع مع عدم التكلف والله تعالى أعلم