والفاتح لهذا الباب امرؤ القيس وقوله أبلغ ما سمع فيه وألطف وهو .
( وقد علمت سلمى وإن كان بعلها ... بأن الفتى يهذي وليس بفعال ) .
قال زكي الدين بن أبي الأصبع ما رأيت أحسن من قوله ملتفتا وإن كان بعلها .
انتهى .
وهذا النوع أعني الهزل الذي يراد به الجد ما سبكه في قوالبه إلا من لطفت ذاته وكان له ملكة في هذا الفن وحسن تصرف .
ومن أظرف ما وقع في هذا الباب أنه حصل لي بالديار المصرية جرب أشرفت منه على التلف فوصف لي الحكيم بطيخا وهو عزيز الوجود في تلك الأيام فبلغني أنه أهدي إلى مولانا المقر الأشرف القاضوي الناصري محمد بن البارزي صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية عظم الله تعالى شأنه بطيخ فكتبت إليه .
( مولاي عاقبني الزمان بجربة ... وقد انقطعت بجسمي المسلوخ ) .
( وعميت من حزني على ما تم لي ... لكن شممت روائح البطيخ ) .
فالكناية على طلب البطيخ سبكت في أحسن قوالب الهزل مع حسن التضمين ومثله قولي .
( جاء الشتاء فرأسي ... والجسم صارا شماته ) .
( بطيلسان ابن حرب ... وفروة ابن نباته ) .
ففي طيلسان ابن حرب وفروة ابن نباتة مع ما فيهما من الهزل الظاهر كنايتان عن الفقر الذي تزايد حده وطيلسان ابن حرب معروف لشهرته وأما فروة ابن نباتة ففيها إشارة إلى قوله .
( زرقة جسمي وبياض ثلجها ... سنجابي الأبلق في فصل الشتا )