واكد ما أوصيك به أن تطرح الأفكار وتسلم للأقدار .
( واقبل من الدهر ما أتاك به ... من قر عينا بعيشه نفعه ) .
إذ الأفكار تجلب الهموم وتضاعف الغموم وملازمة القطوب عنوان المصائب والخطوب يستريب به الصاحب ويشمت العدو المجانب ولا تضر بالوساوس إلا نفسك لأنك تنصر بها الدهر عليك ولله در القائل .
( إذا ما كنت للأحزان عونا ... عليك مع الزمان فمن تلوم ) .
مع أنه لا يرد عليك الفائت الحزن ولا يرعوى بطول عتبك الزمن ولقد شاهدت بغرناطة شخصا قد ألفته الهموم وعشقته الغموم من صغره إلى كبره لا تراه أبدا خليا من فكره حتى لقب بصدر الهم ومن أعجب ما رأيته منه أنه يتنكد في الشدة ولا يتعلل بأن يكون بعدها فرج ويتنكد في الرخاء خوفا من أن لا يدوم .
وينشد توقع زوالا إذا قيل ثم وينشد وعند التناهي يقصر المتطاول .
وله من الحكايات في هذا الشأن عجائب ومثل هذا عمره مخسور يمر ضياعا .
ومتى رفعك الزمان إلى قوم يذمون من العلم ما تحسنه حسدا لك وقصدا لتصغير قدرك عندك وتزهيدا لك فيه فلا يحملك ذلك على أن تزهد في علمك وتر كن إلى العلم الذي مدحوه فتكون مثل الغراب الذى أعجبه مشي الحجلة فرام أن يتعلمه فصعب عليه ثم أراد أن يرجع إلى مشيه فنسيه فبقي مخبل المشي كما قيل .
( إن الغراب وكان يمشي مشية ... فيما مضى من سالف الأجيال ) .
( حسد القطا وأراد يمشي مشيها ... فأصابه ضرب من العقال )