من النعيم المقيم والملك الكبير مالا يخطر على قلب بشر ولا تدركه الفكر ولا تعلمه نفس ثم دعا الناس إليها ورغبهم فيها فلولا أنه خلق نارا جعلها لهم رحمة يسوقهم بها إلى الجنة لما أجابوا ولا قبلوا .
وأما موسى فأشار بأن يعصبوا بشدة لا لين فيها وأن يرموا بشر لا خير معه وإذا أضمر الوالي لمن فارق طاعته وخالف جماعته الخوف مفردا والشر مجردا وليس معهما طمع ولا لين يثنيهم اشتدت الأمور بهم وانقطعت الحال منهم إلى أحد أمرين إما أن تدخلهم الحمية من الشدة والأنفة من الذلة والامتعاض من القهر فيدعوهم ذلك إلى التمادى في الخلاف والاستبسال في القتال والاستسلام للموت وإما أن ينقادوا بالكره ويذعنوا بالقهر على بغضة لازمة وعداوة باقية تورث النفاق وتعقب الشقاق فإذا أمكنتهم فرصة أو ثابت لهم قدرة أو قويت لهم حال عاد أمرهم إلى أصعب وأغلظ وأشد مما كان .
وقال في قول أبي الفضل أيها المهدي أكفى دليل وأوضح برهان وأبين خبر بأن قد أجمع رأيه وحزم نظره على الإرشاد ببعثة الجيوش إليهم وتوجيه البعوث نحوهم مع إعطائهم ما سألوا من الحق وإجابتهم إلى ما سألوه من العدل .
قال المهدى ذلك رأي .
61 - مقال هرون بن المهدي .
قال هرون .
خلطت الشدة أيها المهدي باللين فصارت الشدة أمر فطام لما تكره وعاد اللين أهدى قائد إلى ما تحب ولكن أرى غير ذلك .
قال المهدي لقد قلت قولا بديعا وخالفت فيه أهل بيتك جميعا والمرء