منها من متقادم العصور أن التسمية بذى القرنين لا تعرف فى غير هذه اللغة ولا يوجد منها علم إلا عند هذه الأمة ومتى سمعنا غيرهم ينطق بها ووجدنا بعض الأمم يذكرها فبحثنا عن أصلها ومأخذها وسألناهم عن معناها وتأويلها اصبناها راجعة إليهم وأحلنا فى الإسناد عليهم .
قالوا ولم نعثر على كثرة التفتيش والتكشيف وشدة الطلب والتنقير من ملوك الأمم وأولياء الدول وقادة الجيوش وساسة الجنود ممن ارتفع فشهر أو خمل فغمر بمن لزمه هذا الأسم أو حصل له معناه أو استحقه بلازم خلقه أو مستجد صفة فأما نحن فقد وجدنا فى التواريخ القديمة المأخوذة عن السريانية واليونانية أن ضاميرس وهو الثالث من ملوك بابل خرج عليه أطر كركسى فحاربه وظفر به فقتله ونزع قرنى رأسه فجعلها إكليلا يلبسه فسمى ذا القرنين فهذا كما تراه تسمية مأخوذة من الأمم السالفة منقولة عن تلك اللغة إلى هذه .
على أن العرب قد سمت بها من ملوكهم نفرا وخصت بها هذا الملك السائح الذى ورد القرآن بذكره واجتمعت الإنس على تفخيم قدره وسنذكر ما حفظناه فى سبب هذه التسمية وتستوفى ما عندنا فى صاحبها وما انتهى إلينا فى حقيقة المسمى بها ونقول فيه على تفصيل الاختلاف والتمييز بين تلك الأقوال قولا إن لم يكن شافيا فعساه أن يكون كافيا وما علينا إلا الجهد وفوق كل ذى علم عليم .
قال الله تعالى ( ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا ) الآية المتضمنة خبره فوصف هذه الجملة من أحواله فى تقلبه وانتقاله ومنتهى مسيره فى الشرق ظاعنا وغاية مبلغه من الغرب واغلا ودل على عظم ملكه وشدة وطئته وعلو كلمته وانبساط قدرته بما عد من آثاره وقص علينا من أخباره وأكد ذلك وحققه بقوله تعالى ( إنا مكنا له فى الأرض وآتيناه من كل شئ سبببا )