واحدة منهن أحسن من صاحبتها وقد غابت الشمس وغنت الأطيار فتجاوبت وصفقت الرياح على الأشجار فتمايلت فقلت السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته وكان مطرقا فرفع رأسه وقال أبا زيد في مثل هذا حين تصاحبنا فقلت أصلح الله الأمير أو قامت القيامة ؟ قال نعم على أهل المحبة ثم أطرق مليا ورفع رأسه وقال أبا زيد ما يطيب في يومنا هذا ؟ قلت أصلح الله الأمير قهوة حمراء في زجاجة بيضاء تناولها غادة هيفاء مضمومة الفاء أشربها من كفها وأمسح فمي بخدها فأطرق سليمان مليا لا يرد جابا تنحدر من عينيه عبرات بلا شهيق فلما رأت الوصائف ذلك تنحين عنه ثم رفع رأسه فقال أبا زيد حضرت في يوم فيه انقضاء أجلك ومنتهى مدتك وتصرم عمرك والله لأضربن عنقك أو لتخبرني ما أثار هذه الصفة من قلبك قلت نعم أصلح الله الأمير كنت جالسا عند دار أخيك سعيد بن عبد الملك فإذا أنا بجارية قد خرجت من باب القصر كأنها غزال انفلت من شبكة صياد عليها قميص سكب اسكندراني يبين منه بياض بدنها وتدوير سرتها ونقش تكتها وفي رجليها نعلان صراران قد أشرق بياض قدميها على حمرة نعليها بذؤابتين تضربان إلى حقويها لها صدغان كأنهما نونان وحاجبان قد قوسا على محاجر عينيها وعينان مملوءتان سحرا وأنف كأنه قصبة بلور وفم كأنه جرح يقطر دما وهي تقول عباد الله من لي بدواء ما لا يشتكى وعلاج ما لا يسمى طال الحجاب وأبطأ الجواب والقلب طائر والعقل عازب والنفس والهة والفؤاد مختلس والنوم محتبس رحمة الله على قوم عاشوا تجلدا وماتوا كمدا ولو كان إلى الصبر حيلة أو إلى ترك الغرام سبيل لكان أمرا جميلا ثم أطرقت طويلا ورفعت رأسها فقلت لها أيتها الجارية إنسية أنت أم جنية سماوية أنت أم أرضية ؟ فقد أعجبني ذكاء عقلك واذهلني حسن منطقك فسترت وجهها بكمها كأنها لم ترني ثم قالت أعذر أيها المتكلم فما أوحش الساعد بلا مساعد والمقاساة لصب معاند ثم انصرفت فوالله ما أكلت طعاما طيبا إلا غصصت به لذكرها ولا رأيت حسنا إلا سمج في عيني لحسنها فقال سليمان أبا زيد كاد الجهل يستفزني والصبا يعاودني والحلم يعزب