الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) فهذه المعرفة والدراية لم تحصل لسليمان بكثرة التجربة وطول المدة بل حصلت بعناية ربانية وألطاف إلهية وإذا قذف الله تعالى شيئا من أنوار مواهبه في قلب من يشاء من خلقه اهتدى إلى مواقع الصواب ورجح على ذوي التجارب والاكتساب في كثير من الأسباب ويستدل على حصول كمال العقل في الرجل بما يوجد منه وما يصدر عنه فإن العقل معنى لا يمكن مشاهدته فإن المشاهدة من خصائص الأجسام فأقول يستدل على عقل الرجل بأمور متعددة منها ميله إلى محاسن الأخلاق وإعراضه عن رذائل الأعمال ورغبته في إسداء صنائع المعروف وتجنبه ما يكسبه عارا ويورثه سوء السمعة وقد قيل لبعض الحكماء بم يعرف عقل الرجل فقال بقلة سقطه في الكلام وكثرة إصابته فيه فقيل له فإن كان غائبا فقال بإحدى ثلاث إما برسوله وإما بكتابه وإما بهديته فإن رسوله قائم مقام نفسه وكتابه يصف نطق لسانه وهديته عنوان همته فبقدر ما يكون فيها من نقص يحكم به على صاحبها وقيل من أكبر الأشياء شهادة على عقل الرجل حسن مداراته للناس ويكفي أن حسن المداراة يشهد لصاحبه بتوفيق الله تعالى إياه فإنه روي عن النبي أنه قال من حرم مداراة الناس فقد حرم التوفيق فمقتضاه أن من رزق المداراة لم يحرم التوفيق وقالوا العاقل الذي يحس المداراة مع أهل زمانه وقال رسول الله الجنة مائة درجة تسعة وتسعون منها لأهل العقل وواحدة لسائر الناس وقال علي بن عبيدة العقل ملك والخصال رعية فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها فسمعه أعرابي فقال هذا كلام يقطر عسله وقيل بأيدي العقول تمسك أعنة النفوس وكل شيء إذا كثر رخص إلا العقل فإنه كلما كثر غلا وقيل لكل شيء غاية وحد والعقل لا غاية له ولا حد ولكن