فيفيض عليه من خزائن مواهبه رزانة عقل وزيادة معرفة تخرجه عن حد الاكتساب ويصير بها راجحا على ذوي التجارب والآداب ويدل على ذلك قصة يحيى بن زكريا عليهما السلام فيما أخبر الله تعالى به في محكم كتابه العزيز حيث يقول ( وآتيناه الحكم صبيا ) فمن سبقت له سابقة من الله تعالى في قسم السعادة وأدركته عناية أزلية أشرقت على باطنه أنوار ملكوتية وهداية ربانية فاتصف بالذكاء والفطنة قلبه وأسفر عن وجه الإصابة ظنه وإن كان حديث السن قليل التجربة كما نقل في قصة سليمان بن داود عليهما السلام وهو صبي حيث رد حكم أبيه داود عليه السلام في أمر الغنم والحرث .
وشرح ذلك فيما نقله المفسرون أن رجلين دخلا على داود عليه السلام أحدهما صاحب غنم والآخر صاحب حرث فقال أحدهما إن هذا دخلت غنمه بالليل إلى حرثي فأهلكته وأكلته ولم تبق لي فيه شيئا فقال داود عليه السلام الغنم لصاحب الحرث عوضا عن حرثه فلما خرجا من عنده مرا على سليمان عليه السلام وكان عمره إذ ذاك على ما نقله أئمة التفسير إحدى عشر سنة فقال لهما ما حكم بينكما الملك فذكرا له ذلك فقال غير هذا أرفق بالفريقين فعادا إلى داود عليه السلام وقالا له ما قاله ولده سليمان عليه السلام فدعاه داود عليه السلام وقال له ما هو الأرفق بالفريقين فقال سليمان تسلم الغنم إلى صاحب الحرث وكان الحرث كرما قد تدلت عناقيده في قول أكثر المفسرين فيأخذ صاحب الكرم الأغنام يأكل لبنها وينتفع بدرها ونسلها ويسلم الكرم إلى صاحب الأغنام ليقوم به فإذا عاد الكرم إلى هيئته وصورته التي كان عليها ليلة دخلت الغنم إليه سلم صاحب الكرم الغنم إلى صاحبها وتسلم كرمه كما كان بعناقيده وصورته فقال له داود القضاء كما قلت وحكم به كما قال سليمان عليه السلام وفي هذه القصة نزل قوله تعالى ( وداود وسليمان إن يحكمان في