دفعته الساعة فأطرق المنصور وعلم أن ريح فكره صادفت إعصارا وأن انفراده بتدبيره قارف خسارا ثم رفع رأسه وقال ائتنا به فمضى عيسى وأحضر عبد الله فلما رآه المنصور قال لعمومته اتركوه عندي وانصرفوا حتى أرى فيه رأيا قال عيسى فتركته وانصرفت وانصرف إخوته فسلمت روحي وزالت كربتي وكان ذلك ببركة الاستشارة بيونس وقبول مشورته والعمل بها ثم إن المنصور أسكن عبد الله في بيت أساسه قد بني على الملح ثم أرسل الماء حوله ليلا فذاب الملح وسقط البيت فمات عبد الله ودفن بمقابر باب الشام وسلم عيسى من هذه المكيدة ومن سهام مراميها البعيدة .
ومما جاء في النصيحة اعلموا أن النصيحة للمسلمين وللخلائق أجمعين من سنن المرسلين قال الله تعالى إخبارا عن نوح E ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغريكم هو ربكم وإليه ترجعون ) وقال شعيب عليه السلام ( ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين ) وقال صالح عليه السلام ( ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ) .
وروي عن أبي هريرة Bه عن النبي قال ( إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم .
فالنصح لله هو وصفه بما هو أهله وتنزيهه عما ليس له بأهل والقيام بتعظيمه والخضوع له ظاهرا وباطنا والرغبة في محابه والبعد عن مساخطه وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه والجهاد في رد العصاة إلى طاعته قولا وفعلا والنصيحة لكتابه إقامته في التلاوة وتحسينه عند القراءة وتفهم ما فيه والذب عنه من تأويل المحدثين وطعن الطاعنين