الذين تاهوا على الخلائق كبرا وعتيا أين الذين راحوا في الحلل بكرة وعشيا أين الذين اغتروا بالأجناد أين أصحاب الوزراء والقواد أين أصحاب السطوة والأعوان أين أصحاب الإمرة والسلطان أين أصحاب الأعمال والولايات أين الذين خفقت على رؤوسهم الألوية والرايات أين الذين قادوا الجيوش والعساكر أين الذين عمروا القصور والدساكر أين الذين أعطوا النصر في موطن الحروب والمواقف أين الذين آمنوا بسطوتهم كل خائف أين الذين ملأوا ما بين الخافقين فخرا وعزا أين الذين فرشوا القصور حريرا وقزا أين الذين تضعضعت لهم الأرض هيبة وعزا هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ذكرا أفناهم الله مفني الأمم وأبادهم مبيد الرمم وأخرجهم من سعة القصور إلى ضيق القبور تحت الجنادل والصخور فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم لم ينفعهم ما جمعوا ولا أغنى عنهم ما اكتسبوا أسلمهم الأحباء والأولياء وهجرهم الإخوان الأصفياء ونسيهم الأقرباء والبعداء لو نطقوا لأنشدوا .
( مقيم بالحجون رهين رمس ... وأهلي راحلون بكل واد ) .
( كأني لم أكن لهمو حبيبا ... ولا كانوا الأحبة في السواد ) .
( فعوجوا بالسلام فإن أبيتم ... فأوموا بالسلام على البعاد ) وقالوا لا فخر فيما يزول ولا غنى فيما لا يبقى وهل الدنيا إلا كما قال بعض الحكماء المتقدمين قدر يغلي وكيف يملي وفي هذا المعنى قال الشاعر .
( ولقد سألت الدار عن أخبارهم ... فتبسمت عجبا ولم تبدي ) .
( حتى مررت على الكنيف فقال لي ... أموالهم ونوالهم عندي ) ولقد أصاب ابن السماك حيث قال للرشيد لما قال له عظني وكان بيده شربة ماء فقال له يا أمير المؤمنين لو حبست عنك هذه الشربة أكنت تفديها بملكك قال نعم قال يا أمير المؤمنين لو شربتها وحبست عن الخروج أكنت تفديها بملكك قال نعم فقال له