الباب الثالث والثمانون في ذكر الدنيا وأحوالها وتقلبها بأهلها والزهد فيها قال الله تعالى ( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ) فوصف سبحانه وتعالى جميع الدنيا بأنها متاع قليل وأنت أيها الانسان تعلم أنك ما أوتيت من القليل إلا قليلا ثم إن القليل إن تمتعت به فهو لعب ولهو لقوله تعالى ( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة ) وقال تعالى ( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ) فلا تبع أيها العاقل حياة قليلة تفنى بحياة كثيرة تبقى كما قال ابن عياض لو كانت الدنيا ذهبا يفنى والآخرة خزفا يبقى لوجب علينا أن نختار ما يبقى على ما يفنى ثم تأمل بعقلك هل أتاك الله من الدنيا مثل ما أوتي سليمان E حيث ملكه الله تعالى جميع الدنيا من إنس وجن وسخر له الريح والطير والوحوش ثم زاده الله تعالى أحسن منها حيث قال ( هذا عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب ) فوالله ما عدها نعمة مثل ما عددتموها ولا حسبها رفعة مثل ما حسبتموها بل خاف أن يكون استدراجا من حيث لا يعلم فقال ( هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ) وهذا فصل الخطاب لمن تدبر هذا وقد قال لك ولجميع أهل الدنيا ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) وقال تعالى ( وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين )