فرحا شديدا ثم مضى بها إلى الملك فلما رآها استحسنها وادعى المعلم أنها صنعته فأحسن إليه وخلع عليه خلعة سنية فجاء وجلس مكانه فبقي الصائغ يرجو مكافأته عما عامله به فما التفت إليه المعلم ولما كان النهار ما زاده على الدرهمين شيئا فما مضت إلا أيام قلائل وإذا الملك اختار أ يعمل زوجين أساور على تلك الصورة فطلب المعلم ورسم له بكل ما يحتاج إليه وأكد عليه في تحسين الصفة وسرعة العمل فجاء إلى الصانع وأخبره بما قال الملك فامتثل مرسومه ولم يزل منتصبا إلى أن عمل الزوجين وهو لا يزيده شيئا على الدرهمين في كل يوم ولا يشكره ولا يعده بخير ولا يتجمل معه فرأى المصلحة أن ينقش على زوج الأساور أبياتا يشرح فيها حاله ليقف عليها الملك فنقش في باطن أحدهما هذه الأبيات نقشا خفيفا يقول .
( مصائب الدهر كفي ... إن لم تكفي فعفي ) .
( خرجت أطلب رزقي ... وجدت رزقي توفي ) .
( فلا برزقي أحظى ... ولا بصنعة كفي ) .
( كم جاهل في الثريا ... وعالم متخفي ) قال وعزم الصانع على أنه ظهرت الأبيات للمعلم إن شرح له ما عنده وإن غم عليه ولم يرها كان ذلك سبب توصله إلى الملك ثم لفهما في قطن وناولهما للمعلم فرأى ظاهرهما ولم ير باطنهما لجهله بالصنعة ولما سبق له في القضاء فأخذها المعلم ومضى بهما فرحا إلى الملك وقدمهما إليه فلم يشك الملك في أنهما صنعته فخلع عليه وشكره ثم جاء فجلس مكانه ولم يلتفت إلى الصانع وما زاده في آخر النهار شيئا على الدرهمين فلما كان اليوم الثاني خلا خاطر الملك فاستحضر الحظية التي عمل لها السوارين الذهب فحضرت وهما في يديها فأخذهما ليعيد نظره فيهما وفي حسن صنعتهما فقرأ الأبيات فتعجب وقال هذا شرح حال صانعهما والمعلم يكذب فغضب عند ذلك وأمر باحضار المعلم فلما حضر قال له من عمل هذين السوارين قال أنا أيها الملك قال فما سبب نقش هذه الأبيات قال لم يكن عليهما أبيات