الباب الثامن والسبعون في القضاء والقدر وأحكامه والتوكل على الله D أعلم أن كل ما يجري في العالم من حركة وسكون وخير وشر ونفع وضر وإيمان وكفر وطاعة ومعصية فكل بقضاء الله وقدره وكذلك فلا طائر يطير بجناحيه ولا حيوان يدب على بطنه ورجليه ولا تطن بعوضة ولا تسقط ورقه إلا بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته كما لا يجري شيء من ذلك إلا وقد سبق علمه به واعلم أن كل ما قضاه الله تعالى وقدره فهو كائن لا محالة كما أن ما في علم الله تعالى يكون فهو كائن قريب وما قدر الله وصوله إليك بعد الطلب فهو لا يصل إليك إلا بالطلب والطلب أيضا من القدر فإن تعسر شيء فبتقديره وإن اتفق شيء فبتيسيره فمن رام أمرا من الأمور ليس الطريق في تحصيله أنه يغلق بابه عليه ويفوض أمره لربه وينتظر حصول ذلك الأمر بل الطريق أن يشرع في طلبه على الوجه الذي شرعه له فيه وقد ظاهر النبي بين درعين واتخذ خندقا حول المدينة حين تحزبت عليه الأحزاب يحترس به من العدو وأقام الرماة يوم أحد ليحفظوه من خالد بن الوليد وكان يلبس لأمة الحرب ويهيئ الجيوش ويأمرهم وينهاهم لما فيه من مصالحهم واسترقى وأمر بالرقية وتداوى وأمر بالمداواة وقال الذي أنزل الداء أنزل الدواء فإن قيل قد روي أن النبي قال من استرقى أو اكتوى فهو برئ من التوكل قلنا أليس قد قال أعقلها وتوكل فإن قيل فما الجمع بين ذلك قلنا معناه من استرقى أو اكتوى متكلا على الرقية أو الكي وأن البرء من قبلهما خاصة فهذا يخرجه عن التوكل وإنما يفعله كافر يضيف