وقد قال بعض العقلاء - وسئل عن الشعر - فقال : إن هَزل أضْحك وإن جَدَّ كذب .
فالشاعر بين كذب وإضحاك وإذ كان كذا فقد نزّه الله نبيه هاتين الخَصلتين وعن كل أمر دَنيّ .
وبعد فإنا لا نكاد نرى شاعراً إلاّ مادحاً ضارعاً أو هاجياً ذا قَذَع وهذه أوصافٌ لا تصلح لنبيّ .
فإن قال : فقد يكونُ من الشعر الحكمة كما قال رسول الله ( إن من البيان لسحْراً وإن من الشّعْر لحكمة ) أو قال : " حُكْماً " قيل له : إنما نزه الله نبيه عن قيلَ الشعر لما ذكرناه فأما الحكمةُ فقد آتاه الله من ذلك القسْمَ الأجزل والنصيب الأوفر في الكتاب والسُّنَّة .
ومعنى آخر في تنزيهه عن قيل الشعر أن أهل العَرُوض مُجْمعُون على أنه لا فرق بين صناعة العَرُوض وصناعة الإيقاع إلاّ أن صناعة الإيقاع تَقْسيم الزمان بالنَّغَم وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة فلما كان الشعر ذا ميزان يناسب الإيقاع والإيقاعُ ضرب من الملاهي لم يصلح ذلك لرسول الله وقد قال رسول الله : ( ما أنَا من دَدٍ ولا دَدٌ مني ) .
ثم قال ابن فارس : والشعر ديوان العرب وبه حفظت الأنساب وعُرفت المآثر ومنه تُعُلّمت اللغة وهو حُجَّة فيما أشكل من غريب كتاب الله وغريب حديث رسول الله صحابته والتابعين وقد يكون شاعرٌ أشعر وشعْرٌ أحلى وأظرف فأما أن تتفاوت الأشعار القديمة حتى يتباعد ما بينهما في الجودة فلا وبكلٍّ يُحتج وإلى كل يُحتاج فأما الاختيارُ الذي يراه الناس للناس فشهوات كلٌّ يستحسن شيئاً .
والشعراء أُمَراء الكلام الممدود ويَمُدُّون المقصور ويُقَدّمون ويؤخرون ويومئون ويشُيرون ويختلسون ويُعيرون ويَسْتَعيرون .
فأمّا لحنٌ في إعراب أو إزالة كلمة عن نَهج صواب فليس لهم ذلك .
وقال ابن رشيق في العمدة :