والإنسان سمّي إنساناً لنسْيانه والبهيمة سمّيت بهيمة لأنها أُبهمَت عن العَقْل والتمييز من قولهم : أمر مُبْهَم إذا كان لا يُعرَف بابه ( ويقال للشجاع بهمة لأن مُقاتله لا يدري من أي وجه يوقع الحيلة عليه ) .
فإن قال قائل : لأي علّة سمّي الرجلُ رجلاً والمرأةُ امرأة والمَوْصلُ الموصل ودَعْد دَعْداً قلنا : لعللٍ علمَتْها العربُ وجَهلْناها أو بعضَها فلم تَزُل عن العرب حكمةُ العلم بما لحقَنا من غموض العلة وصعوبة الاستخراج علينا .
وقال قطربٌ : إنما أوْقَعت العربُ اللَّفظتين على المعنى الواحدليدلُّوا على اتَّساعهم في كلامهم كما زَاحفوا في أجزاء الشعرليدلّوا على أن الكلامَ واسعٌ عندهم وأن مذاهبَه لا تضيقُ عليهم عند الخَطاب والإطالة والإطناب ( وقولُ ابن الأعرابي هو الذي نذهب إليه للحجة التي دللنا عليها والبرهان الذي أقمناه فيه ) .
وقال آخرون : إذا وقع الحرفُ على معنيين متضادّين الأصل لمعنى واحد ثمَّ تداخل ( الاثنان ) على جهة الاتساعفمن ذلك الصَّريمُ يقال للَّيل صريم وللنَّهار صريملأنّ الليل يَنْصَرمُ من النهار والنهارَ ينصرم من الليلفأصلُ المعنيين من باب واحد وهو القَطْع وكذلك الصارخُ : المُغيث والصَّارخُ المستغيث سمّيا بذلك لأنَّ المغيثَ يصرخ بالإغاثة والمستغيث يصرخُ بالاستغاثةفأصلهما من باب واحد .
وكذلك السُّدفة : الظلمة والسدفة الضَّوءسمّيا بذلكلأن أصلَ السدفة الستر فكأنَّ النهار إذا أقبل ستر ضوْؤه ظلمةَ الليل وكأنَّ الليلَ إذا أقبل سترت ظلمتُه ضوء النهار .
وقال آخرون : إذا وقع الحرف على معنيين متضادّين فمحال أن يكون العربيُّ أوقعَه عليهما بمساواة ( منه ) بينهما ولكنّ أحدَ المعنيين لحيٍّ من العرب والمعنى الآخر لحيٍّ غيره ثم سَمع بعضُهم لغةَ بعض فأخذ هؤلاء عن هؤلاءوهؤلاء عن هؤلاء .
قالوا : فالجوْنُ الأبيض في لغة حيٍّ من العرب والجوْن الأسود في لغة حيّ آخرثم أخذ أحدُ الفريقين من الآخر كما قالت قريش : وحَسب يَحْسبُ .
( و ) أخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال : الكسائي : أخذوا