فائدة - قال ابن درستويه في شرح الفصيح - وقد ذكر لفظه ( وَجَد ) واختلاف معانيها - هذه اللفظة من أقْوى حَجَج من يزعمُ أن من كلام العرب ما يتَّفقُ لفظه ويختلف معناهلأن سيبويه ذكره في أول كتابه وجعله من الأصول المتقدمةفظنَّ من لم يتأمل المعاني ولم يتحقق الحقائق أن هذا لفظٌ واحد قد جاء لمعانٍ مختلفة وإنما هذه المعاني كلُّها شيءٌ واحد وهو إصابةُ الشيء خيراً كان أو شراًولكن فرّقوا بين المصادرلأن المفعولات كانت مختلفة فجعل الفَرْق في المصادر بأنها أيضاً مفعولة والمصادرُ كثيرة التصاريف جداًوأمثلتُها كثيرة مختلفة وقياسُها غامضٌ وعللها خفيّة والمفتّشُون عليها قليلون والصبرُ عليها معدومفلذلك توهَّم أهلُ اللغة أنها تأتي على غير قياس لأنهم لم يضبطوا قياسها ولم يَقفوا على غَوْرها .
فائدة - قال ابن درستويه في شرح الفصيح : لا يكون فعَل وأفْعَل بمعنى واحد كما لم يكونا على بناء واحد إلا أن يجيء ذلك في لغتين مختلفتينفأما من لغة واحدة فمحالٌ أن يختلف اللفظان والمعنى واحد كما يظنُّ كثير من اللغويين والنحويين وإنما سمعُوا العرب تتكلمُ بذلك على طباعها وما في نفوسها من معانيها المختلفة وعلى ما جرت به عادتُها وتعارفُها ولم يعرف السامعون لذلك العلة فيه والفروقفظنُّوا أنهما بمعنى واحد وتأوَّلُوا على العرب هذا التأويلَ من ذات أنفسهمفإن كانوا قد صدّقوا في رواية ذلك عن العرب فقد أخطؤوا عليهم في تأويلهم ما لا يجوزُ في الحكمة وليس يجيء شيء من هذا الباب إلا على لغتين متباينتين كما بيّنا أو يكون على معنَيَيْن مختلفين أو تشبيه شيء بشيء على ما شرحناه في كتابنا الذي ألّفناه في افتراق معنى فعل وأفعل .
ومن هاهنا يجبُ أن يتعرّف ذلك وأن قول ثعلب : وقَفَت الدَّابة ووقفتُ أنا ووقَفْت وقفاً للمساكين لا يجوزُ أن يكونَ الفعلُ اللازمُ من هذا النحو والمجاوز على لفظ واحد في النظر والقياس لما في ذلك من الإلباس وليس إدخالُ الإلباس في الكلام من الحكْمة والصواب وواضعُ اللغة - عزَّ وجلّ - حكيمٌ عليمٌوإنما اللغةُ موضوعةٌ للإبانة عن المعانيفلو جاز وضعُ لفظ واحد للدلالة على مَعْنَيْين مختلفين أو أحدُهما ضدٌّ للآخر لما كان ذلك إبانةً بل تَعْميَةً وتغْطيةولكن قد يجيءُ الشيءُ النادرُ من هذا لعلل كما يجيء فَعلَ وأفعل فيتوَهَّمُ من لا يعرفُ العلل أنهما لمعنيين مختلفين وإن اتفق اللفظان والسماعُ في ذلك صحيحٌ من العرب فالتأويلُ عليهم خطأٌوإنما يجيءٌ ذلك في لغتين متباينتين أو لحذْف واختصار وقَع في الكلام حتى أشتبه اللفظان وخَفي سببُ ذلك على السامع وتأوَّل فيه الخطأ