ثم قسَّموها على الحلْق والصَّدْر والشَّفَة واللثَّة ثم رَأَوْا أن الكفاية لا تقعُ بهذه الحروف التي هي تسعةٌ وعشرون حرفاً ولا يحصل له المقصود بإفرادها فركّبوا منها الكلامَ ثُنائيّاً وثلاثيّاً ورباعيّاً وخماسيّاً هذا هو الأصل في التركيب وما زاد على ذلك يُسَتثْقَل فلم يضعوا كلمةً أصلية زائدة على خمسة أحرف إلاّ بطريق الإلْحاق والزيادة لحاجة وكان الأصلُ أن يكون بإزاء كل معنى عبارةٌ تدلُ عليه غير أنه لا يمكنُ ذلك لأَن هذه الكلمات متناهيةٌ وكيف لا تكون متناهية ومَوَاردها ومَصَادرها متناهية فدعت الحاجةُ إلى وضع الأسماء المشتَركة فجعلوا عبارةً واحدةً لمسَمَّيَاتٍ عدَّة كالعَيْن والجَوْن واللون ثم وضعوا بإزاء هذا على نقيضه كلماتٍ لمعنىً واحد لأن الحاجةَ تدعو إلى تأكيد المعْنى والتحريض والتقرير فلو كُرّرَ اللفظ الواحد لسَمُجَ ومُجَّ .
ويقال : الشيء إذا تكرّر تكرَّج .
والطّباعُ مجبولةٌ على مُعَاداة المُعَادات فخالفوا بين الألفاظ والمعنى واحد .
ثم هذا ينقسم إلى ألفاظ متواردة وألفاظ مترادفة : فالمتواردة كما تسمَّى الخمرُ عَقاراً وصَهْبَاءَ وقهوة وسلسالاً والسبعُ ليثاً وأسداً وضرْغاماً .
والمترادفة هي التي يُقام لفظٌ مقام لفظٍ لمعانٍ مُتَقَاربة يجمعها معنىً واحد كما يقال : أَصْلَح الفاسدَ ولمَّ الشَّعَث ورتقَ الفَتقَ وشعبَ الصَّدْع .
وهذا أيضاً مما يَحْتَاجُ إليه البليغَ في بلاغته فيقال خطيبٌ مصْقَع وشاعر مُفْلق فَبحُسْن الألفاظ واختلافها على المعنى الواحد ترصع المعاني في القلوب وتَلْتَصق بالصدور ويزيد حسنُه وحَلاوته وطَلاَوته بضَرْب الأمثلة به والتشبيهات المجازية وهذا ما يَسْتَعْملُه الشعراء والخطباء والمترسّلون ثم رأوا أنه يضيقُ نطاقُ النُّطق عن استعمال الحقيقة في كل اسمٍ فعدَلوا إلى المجاز والاستعارات .
ثم هذه الألفاظ تنقسم إلى مشتركة وإلى عامَّة مطلقة وتسمى مستغرقة وإلى ما هو مفرد بإزاء مفرد وسيأتي بيان ذلك