وقال الغزالي في المنخول : قال قائلون : اللغاتُ كلُّها اصطلاحية إذ التَّوقيفُ يَثبت بقول الرسول عليه السلام ولا يُفْهم قولُه دون ثبوت اللغة .
وقال آخرون : هي توقيفية إذ الاصطلاحُ يعْرضُ بعد دعاء البعض بالاصطلاح ولا بدَّ من عبارة يُفْهَم منها قصدُ الاصطلاح .
وقال آخرون ما يُفْهَمُ منه : قصدُ التَّوَاضُع توقيفيّ دون ما عَدَاه ونحنُ نجوّز كونَها اصطلاحية بأن يحرّكَ اللّهُ رأسَ واحدٍ فيفهم آخرُ أنه قصدَ الاصطلاح .
ويجوز كونُها توقيفية بأن يثبت الربّ تعالى مراسمَ وخطوطاً يفهمُ الناظر فيها العبارات ثم يتعلُم البعضُ عن البعض .
وكيف لا يجوزُ في العقل كلُّ واحدٍ منهما ونحن نرى الصبيَّ يتكلمُ بكلمة أبويه ويفهم ذلك من قرائن أحوالهما في حالة صغَره فإذَنْ الكل جائزٌ .
وأما وقوعُ أحد الجائزين فلا يستدرك بالعقل ولا دليل في السمع وقوله تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماَءَ كُلَّهَا ) ظاهرٌ في كونه توقيفياً وليس بقاطع ويُحْتَمل كونُها مصطلحاً عليها من خَلْق اللّه تعالى قبل آدم .
انتهى .
وقال ابن الحاجب في مختصره : الظاهرُ من هذه الأقوال قول أبي الحسن الأشعري .
قال القاضي تاج الدين السبكي في شرح منهاج البيضاوي : مَعْنى قول ابن الحاجب : القولُ بالوقْف عن القَطْع بواحدٍ من هذه الاحتمالات .
وترجيحُ مذَهب الأشعري بغلَبَة الظن .
قال وقد كان بعضُ الضُّعفاء يقول : إن هذا الذي قاله ابنُ الحاجب مذهبٌ لم يقلْ به أحدٌ لأن العلماءَ في المسألة بين متوقّفٍ وقاطع بمقالته فالقولُ بالظهور لا قائل به .
قال : وهذا ضعيف فإن المتوقّف لعدم قاطع قد يرجّح بالظنّ ثم إن كانت المسألةُ ظنّية اكتُفى في العمل بها بذلك التَّرجيح وإلاّ توقف عن العمل بها .
ثم قال : والإنصافُ أن الأدلةَ ظاهرةٌ فيما قاله الأشعري .
فالمتوقّف إن توقَّفَ لعدم القَطْع فهو مصيب وإن ادَّعى عدمَ الظهور فغيرُ مصيب .
هذا هو الحقُّ الذي فاه به جماعةٌ من المتأخرين منهم الشيخ تقي الدين بن دَقيق العيد في ( شرح العنوان ) .
وقال في رفع الحاجب : اعلم ان للمسألة مقامَين : أحدُهما الجوازُ فمن قائل :