وذكر طائفة أن الفصيحَ ليس تأليف ثعلب وإنما هو تأليف الحسن بن داود الرّقّي وقيل تأليف يعقوب بن السكّيت .
الرابعة عشرة - قال ابن دَرَسْتَويه في شرح الفصيح : كلُّ ما كان ماضيه على فعَلت بفتح العين ولم يكن ثانيه ولا ثالثه من حُروف اللّين ولا الحَلْق فإنه يجوزُ في مُسَتْقبله يفعُل بضم العين ويفعل بكسرها كضرب يضرب وشكر يشكرُ وليس أحدُهما أولى به من الآخر ولا فيه عند العرب إلا الاستحسانُ والاستخفاف فمما جاء واستْعُمل فيه الوجهان قولهم : نفر ينفر وينفُر وشتم يشتمُ ويشتُم فهذا يدلُّ على جواز الوجهين فيهما وأنهما شيء واحد لأنَّ الضمّة أختُ الكسرة في الثّقل كما أن الواو نظيرةُ الياء في الثقل والإعلال ولأن هذا الحَرْفَ لا يتغيّرُ لفظة ولا خطُّه بتغيير حركته .
فأما اختيارُ مؤلَّف كتاب الفصيح في ينفر ويشتم فلا علَّة له ولا قياس بل هو نقضٌ لمذهب العرب والنَّحْويين في هذا الباب .
فقد أخبرنا محمد بن يزيد عن المازني والزيادي والرياشي عن أبي زيد الأنصاري وأخبرنا به أيضاً أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري عنهم وعن أبي حاتم وأخبرنا به الكسروي عن ابن مهدي عن أبي حاتم عن أبي زيد أنه قال : طُفْتُ في عُلْيا قيس وتميم مدةً طويلة أسأل عن هذا الباب صغيرَهم وكبيرَهم لأعرف ما كان منه بالضم أوْلى وما كان منه بالكسر أوْلى فلم أجدْ لذلك قياساً وإنما يتكلّم به كلُّ امرىء منهم على ما يَسْتَحْسن ويستخفُّ لا على غير ذلك .
ونظنُّ المختارَ للْكَسْر هُنَأ وَجَدَ الكَسر أَكثرَ استعمالاً عند بعضهم فجعلَه أفصحَ منَ الذي قلَّ استعمالهُ عندهم وليست الفصاحة في كثرة الاستعمال ولا قلَّته وإنما هاتان لغتان مُسْتَويتان في القياس والعلّة وإن كان ما كَثر استعماله أعرف وآنس لطول العادة له .
وقد يلتزمون أحدَ الوجهين للفَرقْ بين المعاني في بعض ما يجوز فيه الوجهان كقولهم : ينفُرُ بالضم من النّفار والاشمئزاز وينفر بالكسر من نَفْر الحَجاج من عرَفَات فهذا الضربُ من القياس يُبْطل اختيارَ مؤلف الفصيح الكسر في ينفر على كل حال