العرب لها فإنه قال في أول فصيحة : هذا كتابُ اختيار الفصيح مما يجري في كلام الناس وكتبهم فمنه ما فيه لغةٌ واحدة والناس على خلافها فأخبرنا بصواب ذلك ومنه ما فيه لغتان وثلاث وأكثر من ذلك فاخترنا أفصحهن ومنه ما فيه لغتان كثُرنا واستُعملتا فلم تكن إحداهما أكثر من الأخرى فأخبرنا بهما .
انتهى .
ولا شك في أن ذلك هو مدار الفصاحة .
ورأى المتأخرون من أرباب علوم البلاغة أن كل أحدٍ لا يمكنه الاطّلاع على ذلك لتَقَادُم العهد بزمان العرب فحرَّرُوا لذلك ضابطاً يُعْرَفُ به ما أكثرت العربُ من استعماله من غيره فقالوا : الفصاحةُ في المفرد : خلوصه من تَنَافُر الحروف ومن الغَرَابة ومن مخالفة القياس اللّغوي .
( التنافر ) .
فالتنافُر منه ما تكونُ الكلمةُ بسببه مُتناهيةً في الثّقَل على اللسان وعُسْر النُّطْق بها كما رُوي أن أعرابياً سُئل عن ناقته فقال تركتها تَرْعى الهُعْخُع .
ومنه ما هو دون ذلك كلفظ مُسْتَشْزر في قول امرىء القيس - من الطويل - : .
( غَدَائرُه مُسْتَشْزرَاتٌ إلى العُلاَ ... ) .
وذلك لتوسُّط الشين وهي مَهْموسة رخوة بين التاء وهي مهموسة شديدة والزاي وهي مجهورة .
( الغرابة ) .
- والغرابةُ أن تكون الكلمة وحْشيَّة لا يظهر معناها فيحتاج في معرفتها إلى أن يُنَقّر عنها في كتب اللغة المبسوطَة كما رُوي عن عيسى بن عمر النحوي أنه سقط عن حمار فاجتمع عليه الناس فقال : ما لكم تَكَأْكَأْتُمْ عليَّ تَكَأْكُؤَكم على ذي جنَّة افْرَنْقعوا عَنّي أي اجْتَمَعْتم تَنحُّوا