العلماء وليس لأحد إذا أجمع أهلُ العلم والرّواية الصحيحة على إبطال شيء منه أن يقبل من صحيفة ولا يَرْوي عن صحفي .
وقد اختلفت العلماءُ يعد في بعض الشعر كما اختلفت في سائر الأشياء فأما ما اتّفقوا عليه فليس لأحدٍ أن يخرجَ منه وللشّعر صناعة وثقافة يعرفُها أهلُ العلم كسائر أصناف العلم والصناعات منها ما تثقفه العين ومنها ما تثقفه الأذن ومنها ما تثقفه اليد ومنها ما يثقفه اللسان .
من ذلك : اللُّوْلؤ والياقوت لا يُعْرَف بصفةٍ ولا وزْن دون المُعاينة ممن يُبْصره ومن ذلك الجهبذة فالدّينار والدرهم لا يُعْرَف جودتُهما بلون ولا مسّ ولا طراق ولا جَسّ ولا صفة ويعرفُه الناقد عند المُعاينة فيعرف بَهْرَجهاً وزائفها ومنه البصر بغريب النّخْل والبصر بأنواع المتاع وضروبه واختلاف بلاده وتَشَابه لونه ( ومسه وذرعه ) حتى يضافَ كلُّ صنف منها إلى بلده الذي حرج منه وكذلك بصر الرقيق والدابة وحسن الصوت يعرفُ ذلك العلماء عند المعاينة والاستماع له بلا صفة ينتهي إليها ولا علمٍ يُوقَف عليه وإنّ كثرة المداومة لتعين العلم به فكذلك الشّعْر يعرفُه أهلُ العلم به .
قال خلاّد بن يزيد الباهلي لخلف بن حيّان أبي مُحْرز - وكان خلاد حسنَ العلم بالشعر يرويه ويقوله - بأيّ شيء ترد هذه الأشعار التي تروي قال له : هل تعلم أنت منها ما إنه مصنوع لا خير فيه قال نعم قال أفتعلم في الناس من هو أعلمُ بالشعر قال : نعم .
قال : فلا تُنْكر أن يعْلموا من ذلك ما لا تَعْلَمُه أنت .
وقال قائل لخلف : إذا سمعتُ أنا بالشعر واستحسنتُه فلا أبالي ما قلتَه أنتَ فيه وأصحابك .
قال له : إذا أخذتَ درهماً فاستحسنته فقال لك الصَّرَّاف : إنه رديء هل ينفعُك استحسانك له .
وكان ممن هَجّن الشعرَ وحمل كل غُثاء محمد بن إسحاق بن مولى آل مَخْرَمة بن المطّلب بن عبد مناف وكان من علماء الناس بالسّير قَبل الناسُ عنه الأشعار وكان يعتذر منها ويقول : لا علْمَ لي بالشّعر إنما أُوتَى به فأحْمله ولم يكن له ذلك عذراً فكتب في السّيرة من أشعار الرجال الذين