وبعض هذه المعاني مأخوذ من قول أبي تمام .
( أَرْضٌ بِهَا عُشُبٌ زَاكٍ وَلَيْسَ بِهَا ... مَاءٌ وَأُخْرَى بَهَا مَاءٌ وَلاَ عُشُبُ ) .
إلا أن في الكلام المنثور زيادة على ما تضمنه الشعر وكأنه ينظر إليه نظرا بعيدا .
ومن سبيل المتصدي لهذا الفن أن يأخذ المعنى من الشعر فيجعله مثل الإكسير في صناعة الكيمياء ثم يخرج منه ألوانا مختلفة من جوهر وذهب وفضة كما فعلت في هذا الموضع فإني أخذت معنى هذا البيت من الشعر فاستخرجت منه ما ليس منه وهذا أعلى الدرجات في نثر المعاني الشعرية .
وقد بسطت القول في هذا الموضع وكشفت عن دفائنه في الكتاب الذي وسمته ب الوشي المرقوم في حل المنظوم وهو كتاب مفرد في هذا الفن خاصة .
ومن هذا الضرب الذي هو الكيمياء في توليد المعاني ما ذكرته في وصف الربيع فقلت فصل الربيع هو أحد ميزاني عامه والمستقيد لسامه من حامه وقد وصف بأنه ميعاد نطق الأطيار وميلاد أجنة الأزهار والذي تستوفي به حولها سلافة العقار فإذا سلت السحب فيه سيوفها كان ذلك للرضا لا للغضب وإذا خلعت على الأرض غلالتها الدكناء لبست منها ديباجة منسوجة بالذهب .
وهذا المعنى مستولد من قول أبي تمام في وصف السحاب