ومن أجل ذلك يرون أشباها ما عداه وما منهم إلا من يقر بفضله ولو كان من حساده أو عداه وقد أصبحوا وهم يقلون لديه حين يكثرون ويقول كل منهم لصاحبه ( أفسحر هذا أَم أَنتم لا تبصرون ) .
هذا الفصل وإن تضمن شيئا من القرآن الكريم فليس المراد ههنا القرآن الكريم بل منه شيء مأخوذ من الشعر وهو قول المتنبي .
( النَّاسُ مَا لَمْ يَرَوْكَ أشبَاهُ ... وَالدَّهْرُ لَفْظٌ وَأَنْتَ مَعْنَاهُ ) .
ومن ذلك ما ذكر في وصف الخمر وهو الخمر لا تفي لذة إسكارها بتنغيص خمارها فهي خرقاء البيان بذية اللسان وتأنيثها يدلك أنها من ناقصات العقول والأديان وقد عرف منها سنة الجور في أحكامها ولولا ذلك لما استأثرت من الرءوس بجناية أقدامها .
وهذا أحسن من قول الشاعر وأغرب وألطف لأنه قال .
( ذَكَرَتْ حَقَائِدَها القَديمةَ إذ غَدَت ... وَهْناً تُدَاسُ بأَرْجُلِ العَصّارِ ) .
( لاَنَتْ لَهُمْ حَتّى انْتَشَوْا فَتَحَكَّمَتْ ... فِيهمْ فَنادَتْ فِيهِمُ بالثَّارِ ) .
وكذلك قلت في وصفها أيضا وهو مدامة تنفي خواطر الهموم وتسري مسرى الأرواح في الجسوم وتشهد بأن الكرم مستمد من ماء الكروم ويتمثل حببها نجوما إلا أنها مضلة والهداية للنجوم .
وبعض هذا مأخوذ من قول أبي نواس .
( إِذَا هِيَ حَلَّتْ في اللَّهَاةِ مِنَ الْفَتَى ... دَعا هَمُّهُ مِنْ صَدْرِهِ بِرَحيل ) .
وما زال الشعراء يتواردون على هذا المعنى حتى سمج لكن الذي ذكرته بعد هذا المعنى من محاسن المعاني في وصفها وكذلك ما ذكرته في وصفها وهو الخمر كالعذراء في نفورها وملازمة خدورها ولهذا تشمئز من نكاح المزاج