وممن فعل ذلك من الشعراء فافتضح أبو الطيب المتنبي حيث قال في قصيدته التي أولها .
( غَيْرِي بِأَكْثَرِ هَذَا النَّاسِ يَنْخَدِعُ ... ) .
( لَمْ يُسْلِمِ الْكَرُّ في الأَعْقَابِ مُهْجَتَهُ ... إِنْ كَانَ أَسْلَمَهَا الأَصْحَابُ وَالشِّيَعُ ) وهذه القصيدة مصوغة على قصيدة لأبي تمام في وزنها وقافيتها أولها .
( أَيُّ الْقُلُوبِ عَلَيْكُمْ لَيْسَ يَنْصَدِعُ ... ) وهذا المعنى الذي أورده أبو الطيب مأخوذ من بيت منها وهو .
( مَا غَابَ عَنْكُمْ مِنَ الإِقْدَامِ أَكْرَمهُ ... في الرَّوعِ إِذْ غَابَتِ الأَنْصَارُ وَالشِّيَع ) وليس في السرقات الشعرية أقبح من هذه السرقةفإنه لم يكتف الشاعر فيها بأن يسرق المعنى حتى ينادي على نفسه أنه قد سرقه .
الضرب الربع من السلخ وهو أن يؤخذ المعنى فيعكس وذلك حسن يكاد يخرجه حسنه عن حد السرقة فمن ذلك قول أبي نواس .
( قَالُوا عَشِقْتَ صَغِيرَةً فَأَجَبْتَهُمْ ... أَشْهَى المَطِيِّ إِلَيَّ مَا لَمْ يُرْكَبِ ) .
( كَمْ بَيْنَ حَبَّةِ لُؤْلُؤٍ مَثْقُوبَةٍ ... لُبِسَتْ وَحَبَّةِ لُؤْلُؤٍ لَمْ تُثْقَبِ ) فقال مسلم بن الوليد في عكس ذلك .
( إِنَّ المَطِيَّةَ لا يَلَذُّ رُكُوبُهَا ... حَتَّى تُذَلَّلَ بِالزِّمَامِ وَتُرْكَبَا ) .
( وَالْحَبُّ لَيْسَ بِنَافِعٍ أَرْبَابَهُ ... حَتَّى يُفَصَّلَ في النِّظَامِ وَيُثْقَبَا ) ومن هذا الباب قول ابن جعفر .
( وَلَمَّا بَدَا لِي أَنَّهَا لا تُريدُنِي ... وَأَنَّ هَوَاهَا لَيْسَ عَنِّي بِمُنْجَلِي ) .
( تَمَنَّيْتُ أَنْ تَهْوَى سِوَايَ لَعَلَّهَا ... تَذُوقُ صَبَابَاتِ الْهَوى فَتَرِقَّ لِي )