( فَلَوْ كُنْتَ ذَا حَزْمٍ شَدَدْتَ وِكَاءهُ ... كَمَا شَدَّ جُرْبَانَ الدِّلاَصِ قُيُونُ ) قال فوالله ما مضى إلا أيام حتى بلغ جريرا الخبر فقال فيه هذين البيتين وهذا من أغرب ما يكون في مثل هذا الموضع وأعجبه .
ويقال إن الفرزدق وجريرا كانا ينطقان في بعض الأحوال عن ضمير واحد وهذا عندي مستبعدفإن ظاهر الأمر يدل على خلافه والباطن لا يعلمه إلا الله تعالى .
وإلا فإذا رأينا شاعرا متقدم الزمان قد قال قولا ثم سمعناه من شاعر أتى من بعده علمنا بشهادة الحال أنه أخذه منه وهب أن الخواطر تتفق في استخراج المعاني الظاهرة المتداولةفكيف تتفق الألسنة أيضا في صوغها الألفاظ ؟ .
ومما كنت أستحسنه من شعر أبي نواس قوله من قصيدته التي أولها .
( دَعْ عَنْكَ لَوْمِي فإنَّ اللَّوْمَ إغْرَاءُ ... ) .
( دَارَتْ عَلَى فِتْيَةٍ ذَلَّ الزَّمَانُ لَهُمْ ... فَمَا يُصِيبُهُمُ إِلاَّ بِمَا شَاءوا ) وهذا من عالي الشعر ثم وقفت في كتاب الأغاني لأبي الفرج على هذا البيت في أصوات معبد وهو .
( لَهْفِي عَلَى فِتْيَةٍ ذَلَّ الزَّمان لَهُمْ ... فَمَا أصَابَهُمُ إلاّ بِمَا شَاءُوا ) وما أعلم كيف هذا .
الضرب الثاني من النسخ وهو الذي يؤخذ فبه المعنى وأكثر اللفظ كقول بعض المتقدمين يمدح معبدا صاحب الغناء .
( أَجَادَ طُوَيْسٌ والسُّرَيْجِيُّ بَعْدَهُ ... وَمَا قَصَباتُ السَّبْقِ إلاَّ لِمَعْبَدِ ) ثم قال أبو تمام .
( مَحَاسِنُ أصْنَافِ الْمُغَنِّينَ جَمَّةُُ ... وَمَا قَصَبَاتُ السَّبْقِ إلا لِمَعْبَدِ )