ففصلت الآية الواردة في آخر الآيات بتواب حكيم فجمع فيها بين التوبة المرجوة من صاحب المعصية وبين الحكمة في سترها على تلك الصورة .
وهذا باب ليس في علم البيان أكثر منه نفعا ولا أعظم فائدة .
ومما جاء من هذا الباب قول أبي الطيب المتنبي .
( وَقَفْتَ وَمَا فِي المَوْتِ شَكٌّ لِوَاقِفٍ ... كَأنَّكَ فِي جَفْنِ الرَّدَى وَهُوَ نَائِمُ ) .
( تَمُرُ بِكَ الأَبْطَالُ كَلْمى هَزِيمَةً ... وَوَجْهُكَ وَضَّاحُُ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ ) وقد أوخذ على ذلك وقيل لو جعل آخر البيت الأول آخرا للبيت الثاني وآخر البيت الثاني آخر للبيت الأول لكان أولى .
ولذلك حكاية وهي أنه لما استنشده سيف الدولة يوما قصيدته التي أولها .
( عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ ... ُ ) فلما بلغ إلى هذين البيتين قال قد انتقدتهما عليك كما انتقد على امرىء القيس قوله .
( كَأَنِّيَ لَمْ أَرْكَبْ جَوَاداً لِلَذَّةٍ ... وَلَمْ أَتَبَطَّنْ كاعِباً ذَاتَ خَلْخَالِ ) .
( وَلَمْ أَسْبَإِ الزِّقَّ الرَّوِيَّ وَلَمْ أَقُلْ ... لَخِيْلي كُرِّي كَرَّةً بَعْدَ إجْفَالِ ) فبيتاك لم يلتئم شطراهما كما لم يلتئم شطرا بيتي امرىء القيس وكان ينبغي لك أن تقول .
( وَقَفْتَ وَمَا فِي المَوْتِ شَكُُّ لِوَاقِفٍ ... وَوَجْهُكَ وَضَّاحُُ وَثَغْرُكَ بَاسِمُ ) .
( تَمُرُّ بِكَ الأبطالُ كَلْمى هَزِيمَةً ... كأنَّكَ فِي جَفْنِ الرَّدى وَهْوَ نَائِمُ )