إلا في اللفظ والمعنى بشرط التركيب فإن اللفظة الواحدة لا يطلق عليها اسم البلاغة ويطلق عليها اسم الفصاحة إذ يوجد فيها الوصف المختص بالفصاحة وهو الحسن .
وأما وصف البلاغة فلا يوجد فيها لخلوها من المعنى المفيد الذي ينتظم كلاما .
مسألة تتعلق بهذا الفصل .
هل أخذ علم البيان من ضروب الفصاحة والبلاغة بالاستقراء من أشعار العرب أم بالنظر وقضية العقل .
الجواب عن ذلك أنا نقول لم يؤخذ علم البيان بالاستقراء فإن العرب الذين ألفوا الشعر والخطب لا يخلو أمرهم من حالين إما أنهم ابتدعوا ما أتوا به من ضروب الفصاحة والبلاغة بالنظر وقضية العقل أو أخذوه بالاستقراء ممن كان قبلهم .
فإن كانوا ابتدعوه عند وقوفهم على أسرار اللغة ومعرفة جيدها من رديئها وحسنها من قبيحها فذلك هو الذي أذهب إليه .
وإن كانوا أخذوه بالاستقراء ممن كان قبلهم فهذا يتسلسل إلى أول من ابتدعه ولم يستقره فإن كل لغة من اللغات لا تخلو من وصفي الفصاحة والبلاغة المختصين بالألفاظ والمعاني إلا أن للغة العربية مزية على غيرها لما فيها من التوسعات التي لا توجد في لغة أخرى سواها .
مسألة أخرى تتعلق بهذا الفصل أيضا .
هل علم البيان من الفصاحة والبلاغة جار مجرى علم النحو أم لا .
الجواب عن ذلك أنا نقول الفرق بينهما ظاهر وذاك أن أقسام النحو أخذت من واضعها بالتقليد حتى لو عكس القضية فيها لجاز له ذلك ولما كان العقل يأباه ولا ينكره فإنه لو جعل الفاعل منصوبا والمفعول مرفوعا قلد في ذلك كما قلد في رفع الفاعل ونصب المفعول وأما علم البيان من الفصاحة والبلاغة فليس كذلك لأنه استنبط بالنظر وقضية العقل من غير واضع اللغة ولم يفتقر فيه إلى التوقيف