وكذلك ورد قول أبي عبادة البحتري في منهزم .
( إِذَا سَارَ سُهْبَاً عَادَ ظُهْراً عَدُوَّهُ ... وَكَانَ الصَّدِيقُ بُكْرَةً ذلِكَ السَّهْبُ ) .
فإن السير والسهب والظهر والعدو والصديق كل ذلك مفهوم المعنى لكن البيت بمجموعه يحتاج معناه إلى استنباط والمراد أن هذا المنهزم يرى ما بين يديه محبوبا إليه وما خلفه مكروها عنده لأنه يطلب النجاة فيؤثر البعد مما خلفه والقرب مما أمامه فإذا قطع سهبا وخلفه وراءه صار عنده كالعدو وقبل أن يقطعه كان له صديقا أي يطلب لقاءه ويحب الدنو منه .
فانظر أيها المتأمل إلى ما ذكرته من هذه الأمثلة حتى يثبت عندك ما أردت بيانه .
وأما البلاغة فإن أصلها في وضع اللغة من الوصول والانتهاء يقال بلغت المكان إذا انتهيت إليه ومبلغ الشيء منتهاه وسمي الكلام بليغا من ذلك أي أنه قد بلغ الأوصاف اللفظية والمعنوية .
والبلاغة شاملة للألفاظ والمعاني وهي أخص من الفصاحة كالإنسان من الحيوان فكل إنسان حيوان وليس كل حيوان إنسانا وكذلك يقال كل كلام بليغ فصيح وليس كل كلام فصيح بليغا .
ويفرق بينها وبين الفصاحة من وجه آخر غير الخاص والعام وهو أنها لا تكون