ومن محاسن الابتداءات التي دلت على المعنى من أول بيت في القصيدة ما قرأته في كتاب الروضة لأبي العباس المبرد فإنه ذكر غزوة غزاها الرشيد هرون C في بلاد الرومِ وأن نقفور ملك الروم خضع له وبذل الجزية فلما عاد عنه واستقر بمدينة الرقة وسقط الثلج نقض نقفور العهد فلم يجسر أحد على إعلام الرشيدلمكان هيبته في صدور الناس ِوبذل يحيى بن خالد للشعراء الأموال على أن يقولوا أشعارا في إعلامه فكلهم أشفق من لقائه بمثل ذلك إلا شاعرا من أهل جدة يكنى أبا محمد وكان شاعرا مفلقا فنظم قصيدا وأنشدها الرشيد أولها .
( نَقَضَ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ نقْفُورُ ... فَعَلَيْهِ دَائِرَةُ الْبَوَارِ تَدُورُ ) .
( أَبْشِرْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنينَ فَإِنَّهُ ... فَتْحٌ أَتاكَ بِهِ الإِلَهُ كَبِيرُ ) .
( نقْفُورُإِنَّكَ حِينَ تَغْدِرُ - أنْ نَأَى ... عَنْكَ الإِمَامُ - لَجَاهِلٌ مَغْرُورُ ) .
( أَظْنَنْتَ حِينَ غَدَرْتَ أنَّكَ مُفْلِتٌ ... هَبِلَتْكَ أمُّكَ ! مَا ظَنَنْتَ غُرُورُ ) فلما أنهى الأبيات قال الرشيد أو قد فعل ؟ ثم غزاه في بقية الثلج وقتح مدينة هرقلة .
وقرأت في كتاب الأغاني لأبي الفرج الإصبهاني ما رواه من شعر سديف في تحريض الخليفة السفاح C علي بني أمية فقال قدم سديف من مكة الى الحيرة والسفاح بها ووافق قدومه جلوس السفاح للناس وكان بنو امية يجلسون عنده على الكراسي تكرمة لهمفلما دخل عليه سديف حسر لثامه وأنشده أبياتا من الشعرفالتفت رجل من أولاد سليمان بن عبد الملك وقال لآخر إلى جانبه قتلنا والله العبد فلما أنهى الأبيات أمر بهم السفاح فأخرجوا من بين يديه وقتلوا عن آخرهم وكتب الى عماله بالبلاد يأمرهم بقتل من وجدوه منهم ومن الأبيات .
( أَصْبَحَ الدِّينُ ثَابِتاً في الأّسَاسِ ... بِالْبَهَالِيلِ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ )