والعجب أن هذين الشاعرين المفلقين يبتدئان بمثل ذلك ولهما من الابتداءات الحسنة ما أذكره .
أما أبو تمام فإنه افتتح قصيدته التي مدح بها المعتصم عند فتحه مدينة عمورية فقال .
( السَّيْف أصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الْكُتُبِ ... فِي حَدِّهِ الْحَدُّ بَيْنَ الْجِدِّ وَالَّلعِبِ ) .
( بِيضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُودُ الصَّحَائِفِ فِي ... مُتُونِهِنَّ جِلاَءُ الشَّكِّ والرِّيَب ) .
وهذه الأبيات لها قصة وذلك أنه لما حضر المعتصم مدينة عمورية زعم أهل النجامة أنها لا تفتح في ذلك الوقت وأفاضوا في هذا حتى شاع وصار أحدوثة بين الناس فلما فتحت بنى أبو تمام مطلع قصيدته على هذا المعنى وجعل السيف أصدق من الكتب التي خبرت بامتناع البلد واعتصامهاولذلك قال فيها .
( وَالْعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لامِعَةً ... بَيْنَ الْخَمِيسَيْنِ لا في السَّبْعَةِ الشُّهُبِ ) .
( أَيْنَ الرِّوَايَةُ أمْ أيْنَ النُّجُومُ وَمَا ... صَاغُوهُ مِنْ زُخْرُفٍ فيها وَمِنْ كَذِبِ ) .
( تَخَرُّصاً وَأَحَادِيثاً مُلَفَّقَةً ... لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ وَلا غَرَبِ ) .
وهذا من أحسن ما يأتي في هذا الباب .
وكذلك قوله في أول قصيدة يمدحه بها أيضا ويذكر فيها خروج بابك الخرمي عليه وظفره به وهي من أمهات شعره فقال .
( الْحَقُّ أَبْلَجُ وَالْسُّيُوفُ عَوَارِ ... فَحَذَارِ مِنَ أُسْدِ الْعَرِينِ حَذَارِ ) .
وكذلك قوله متغزلا .
( عَسَى وَطَنٌ يَدْنو بِهِمْ وَلَعَلَّمَا ... وَأَنْ تُعْتِبَ الأَيَّامُ فِيهِمْ فَرُبَّمَا ) .
وهذا من الأغزال الحلوة الرائقة وهو من محاسن أبي تمام المعروفة .
وكذلك قوله في أول مرثية .
( أَصَمَّ بِكَ النَّاعِي وَإِنْ كَانَ أَسْمَعَا ... وَأَصْبَحَ مَغْنى الْجُودِ بَعْدَكَ بَلْقَعا )