إلا أنه شعر بتلك المسرة المسروقة فأقام عليها حد القطع ورأى العيش فيها خفضا فأزاله بعامل الرفع .
والمغالطة في هذا الكلام هي في ذكر الخفض والرفعفإن الخفض هو سعة العيش والخفض هو أحد العوامل النحوية والرفع هو من قولنا رفعت الشيء إذا أزلته والرفع هو أحد العوامل النحوية أيضا وهذا من المغالطات الخفية .
ومن ذلك ما كتبته في فصل أصف فيه الحمى وكنت إذ ذاك بحصن سميساط وهو بلد من بلاد الأرمن فقلت ومما أكره في حال المرض بهذه الأرض أن الحمى خيمت بها فاستقرت ولم تقنع بأهلها حتى سرت إلى تربتها فترى وقد أخذتها النافض فاقشعرت ولم يشكل أمرها إلا لأنها حمى أرمنية مستعجمة اللسان وقد تشتبه الأمراض وأهل بلادها في الأبان وإذا كانت الحمى كافرة لم تزل للمسلم حربا وشكاتها لا تسمى شكاة وإنما تسمى طعنا وضربا ولهذا صارت الأدوية في علاجها ليست بأدوية وأصبحت أيام نحرها في الناس غير مبتدأة بأيام تروية وليس موسمها في فصل معلوم بل كل فصول العام من مواسمها ولو كاتبتها نصيبين أو ميافارقين بكتاب لترجمته بعبدها وخادمها .
والمغالطة ههنا في قولي ( وأصبحت أيام نحرها في الناس غير مبتدأة بأيام تروية ) والمراد بذلك أنها تقبل بغتة من غير ترو أي من غير تلبث ويوم النحر هو يوم عيد الأضحى وقبله يسمى يوم الترويةفالمغالطة حصلت بين نحر الحمى للناس ونحر الضحايا إلا أن يوم النحر مبتدأ بيوم تروية ولا خفاء بما في هذه المغالطة من الحسن واللطافة .
وأما القسم الآخر وهو النقيض فإنه أقل استعمالا من القسم الذي قبله لأنه لا يتهيأ استعماله كثيرا .
فمن جملته ما ورد شعرا لبعضهم وهو قوله .
( وَمَا أشْيَاءُ تَشْرِيهَا بِمَالٍ ... فَإِنْ نَفَقَتْ فَأَكْسَدُ مَا تَكُونُ )