وعهده بقلمي وهو يتحلى من البيان بأسمائه وتبرز أنوار المعاني من ظلمائه وقد أصبحت يدي منه وهي حمالة الحطب وأصبح خاطري أبا جهل بعد أن كان أبا لهب .
وهذا أحسن من الأول وأخلب عبارة فانظر أيهل المتأمل إلى ما فيه من التورية اللطيفة ألا ترى أن الخاطر يحمد فيوصف بأنه وقاد وملتهب ويذم فيوصف بأنه بليد وجاهلوأبو لهب وأبو جهل هما الرجلان المعروفان وكذلك حمالة الحطب هي المرأة المعروفة وإذا ذم القلم قيل إنه حطب وإنه صاحبه حاطبفلما نقلت أنا هذا إلى المعنى الذي قصدته جئت به على حكم المغالطة ووريت فيه تورية والمسلك إلى مثل هذه المعاني وتصحيح المقصد فيها عسر جدا لا جرم أن الإجادة فيها قليلة .
ومما يجري هذا المجرى ما ذكرته في وصف شخص بمعالي الأمور وهو من أبر مساعيه أنه حاز قفل المكرمات ومفتاحها فإذا سئل منقبة كان مناعها وإذا سئل موهبة كان مناحها وأحسن أثرا من ذلك أنه أخذ بأعنة الصعاب وألان جماحها فإذا شهد حومة حرب كان منصورها وإذا لقي مهجة خطب كان سفاحها .
والمغالطة في هذا الكلام في ذكر المنصور والسفاحفإنهما لقب خليفتين من بني العباس والسفاح أول خلفائهم والمنصور أخوه الذي ولي الخلافة من بعده وهما أيضا من النصر في حومة الحرب والسفح الذي هو الإراقة والمهجة دم القلبفكأني قلت هو منصور في حومة الحرب ومريق لدم الخطوب وقد اجتمع في هذا الكلام المنصور والمنصور والسفاح والسفاح وهذا من المغالطة المثلية لا من النقيضية ولا خفاء بما فيها من الحسن .
ومن ذلك ما كتبته في كتاب إلى بعض الإخوانفقلت وقد علمت أن ذلك الأنس بقربه يعقب إيحاشا وأن تلك النهلة من لقائه تجعل الأكباد عطاشافإن من شيمة الدهر أن يبدل الصفو كدرا ويوسع أيام عقوقه طولا وأيام بره قصراِوما أقول