الآخرة وثانيه مردف بالمهم الذي يؤثر المدعو له من صلاح حال عقبه من بعده في الدنيا وثالثه مختتم بالجمع بين الداعي والمدعو له وهذا من الإيجاز البليغ الذي هو طباق ما قصد له وكلام النبي هكذا كما قال ( أوتيت جوامع الكلم ) .
وكذلك ورد قوله يوم بدر فإنه قال ( هذا يوم له ما بعده ) وهو شبيه بقوله تعالى ( فله ما سلف ) .
ولما جرح عمر بن الخطاب Bه الجراحة التي مات بها اجتمع إليه الناس فجاءه شاب من الأنصارِوقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله وقدم في الإعلام ما علمت ووليت فعدلت ثم شهادة .
وهذا كلام سديد قد حوى المعنى المقصود وأتى به في أوجز لفظ وأحسنه ومع ما فيه من الإيجاز فإنه مستغرب وسبب استغرابه أنه جعل المساءة بشرى وأخرجها مخرج المسرة وتلطف في ذلك فأبلغ ولو أراد الكاتب البليغ والخطيب المصقع أن يأتي بذلك على هذا الوجه لأعوزه .
ومن هذا النمط ما كتبه طاهر بن الحسين إلى المأمون عند لقائه عيسى بن ما هان وهزمه إياه وقتله فكتب إليه كتابي إلى أمير المؤمنين ورأس عيسى بن ماهان بين يديه وخاتمه في يده وعسكره مصرف تحت أمري والسلام .
وهذا من الكتب المختصرة التي حوت الغرض المطول وما يكتب في هذا المقام مثله .
ولما أرسل المهلب بن أبي صفرة أبا الحسن المدائني إلى الحجاج بن يوسف يخبره أخبار الأزارقة كلمه كلاما موجزا كالذي نحن بصدد ذكره ههنا وذاك أن الحجاج سأله فقال كيف تركت المهلب فقال أدرك ما أمل وأمن مما خاف فقال كيف هو لجنده قال والد رءوف فقال كيف جنده له قال أولاد بررة قال كيف رضاهم عنه قال وسعهم بفضله وأغناهم بعدله قال كيف تصنعون إذا لقيتم العدو قال نلقاهم بجدنا ويلقوننا بجدهم قال كذلك الجد إذا لقي الجد قال فأخبرني عن بني المهلب قال هم أحلاس القتال بالليل حماة