( دَعَانِي يَزيدُ بَعْدَ مَا سَاءَ ظَنُّهُ ... وَعَبْسٌ وَقَدْ كَانَا عَلَى جَدِّ مَنْكَبِ ) .
( وَقَدْ عَلِمَا أَنَّ العَشِيرَةَ كُلَّهَا ... سِوَى مَحْضَرِي مِنْ حَاضِرِينَ وَغُيَّبِ ) .
فالمفعول الثاني من ( علما ) محذوف لأن قوله ( أن العشيرة ) في موضع مفعول علما الأول وتقدير الكلام قد علما أن العشيرة سوى محضري من حاضرين وغيب لا غناء عندهم أو سواء حضورهم وغيبتهم أو ما جرى هذا المجرى .
ومن هذا الضرب أيضاً حذف المفعول الوارد بعد المشيئة والإرادة كقوله تعالى ( لو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ) فمفعول شاء ههنا محذوف وتقديره ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها .
وعلى نحو من ذلك جاء قوله تعالى ( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) ومما جاء على مثال ذلك شعراً قول البحتري .
( لَوْ شِئْتَ لَمْ تُفْسِدْ سَمَاحَةَ حَاتِمٍ ... كَرَماً وَلَمْ تَهْدِمْ مَآثِرَ خَالِدِ ) .
الأصل في ذلك لو شئت ألا تفسد سماحة حاتم لم تفسدها فحذف ذلك من الأول استغناء بدلالته عليه في الثاني .
وقد تقدم أن من الواجب في حكم البلاغة ألا تنطق بالمحذوف ولا تظهره إلى اللفظِ ولو أظهرت لصرت إلى كلام غث .
ومجيء المشيئة بعد ( لو ) وبعد حروف الجزاء هكذا موقوفة غير معداة إلى شيء كثير شائع بين البلغاءِ ولقد تكاثر هذا الحذف في ( شاء ) و ( أراد ) حتى إنهم لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب كقوله تعالى ( لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء )