وأما الاستثناء فجارٍ هذا المجرىِ نحو قولك ما قام إلا زيداً أحدِ أو ما قام أحد إلا زيداًِ والكلام على ذلك كالكلام على ما سبق .
أما القسم الثاني فهو أن يقدم ما الأولى به التأخير لأن المعنى يختل بذلك ويضطربِ وهذا هو المعاظلة المعنويةِ وقد قدمنا القول في المقالة الأولى المختصة بالصناعة اللفظية بأن المعاظلة تنقسم قسمين أحدهما لفظيِ والآخر معنويِ وأما اللفظي فذكرناه في بابهِ وأما المعنوي فهذا بابه وموضعهِ وهو كتقديم الصفة أو ما يتعلق بها على الموصوفِ وتقديم الصلة على الموصولِ وغير ذلك مما يرد بيانه .
فمن هذا القسم قول بعضهم .
( فَقَدْ والشك بين لي عناء ... بِوَشْكِ فِراقِهِمْ صُرْدٌ يَصِيحُ ) فإنه قدم قوله ( بوشك فراقهم ) وهو معمول ( يصيح ) و ( يصيح ) صفة لصرد على صردِ وذلك قبيح ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال هذا من موضع كذا رجل ورد اليومِ وإنما يجوز وقوع المعمول بحيث يجوز وقوع العامل فكما لا يجوز تقديم الصفة على موصوفها فكذلك لا يجوز تقديم ما اتصل بها على موصوفها .
ومن هذا النحول قول الآخر .
( فأَصْبَحَتْ بَعْدَ خَطَّ بَهْجَتِهَا ... كَأَنَّ قَفْراً رُسُومَهَا قَلَمَا ) .
فإنه قدم خبر كأن عليها وهو قوله ( خط ) وهذا وأمثاله مما لا يجوز قياس عليهِ والأصل في هذا البيت فأصبحت بعد بهجتها قفراً كأن قلماً خط رسومهاِ إلا أنه على تلك الحالة الأولى في الشعر مختل مضطرب .
والمعاظلة في هذا الباب تتفاوت درجاتها في القبحِ وهذا البيت المشار إليه من أقبحها لأن معانيه قد تداخلت وركب بعضها بعضاً .
ومما جرى هذا المجرى قول الفرزدق .
( إِلى مَلِكٍ مَا أُمُّهُ مِنْ مُحَارِبٍ ... أَبُوهُ وَلاَ كَانَتْ كُلَيْبٌ تُصَاهِرُهْ )