للاختصاص وإنما هو كالذي أشرت إليه في تقديم المفعولِ وإنه لم يقدم للاختصاصِ وإنما قدم من أجل نظم الكلامِ لأن قوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) أحسن من أن لو قيل وجوه يومئذ ناضرة ناظرة إلى ربهاِ والفرق بين النظمين ظاهرِ وكذلك قوله تعالى ( والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق ) فإن هذا روعي فيه حسن النظمِ لا الاختصاصِ في تقديم الظرفِ وفي القرآن مواضع كثيرة من هذا القبيل يقيسها غير العارف بأسرار الفصاحة على مواضع أخرى وردت للاختصاص وليست كذلكِ فمنها قوله تعالى ( إلى ربك يومئذ المستقر ) وقوله تعالى ( ألا إلى الله تصير الأمور ) و ( له الحكم وإليه ترجعون ) و ( عليه توكلت وإليه أنيب ) فإن هذه جميعها لم تقدم الظروف فيها للاختصاصِ وإنما قدمت لمراعاة الحسن في نظم الكلام فاعرف ذلك .
وأما الثاني - وهو تأخير الظرف وتقديمه في النفي - فنحو قوله تعالى ( آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) وقوله تعالى ( لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ) فإنه إنما أخر الظرف في الأول لأن القصد في إيلاء جرف النفي الريب نفي الريب عنهِ وإثبات أنه حق وصدقِ لا باطل وكذبِ كما كان المشركون يدعونهِ ولو أولاه الظرف لقصد أن كتاباً آخر فيه الريب لا فيهِ كما قصد في قوله تعالى ( لا فيها غول ) فتأخير الظرف يقتضي النفي أصلاً من غير تفضيلِ وتقديمه يقتضي تفضيل المنفي عنهِ وهو خمر الجنةِ على غيرها من خمور الدنيا أي ليس فيها ما في غيرها من الغول وهذا مثل قولنا لا عيب في الدارِ وقولنا لا فيها عيبِ فالأول نفي للعيب عن الدار فقطِ والثاني تفضيل لها على غيرها أي ليس فيها ما في غيرها من العيبِ فاعرف ذلك فإنه من دقائق هذا الباب .
وأما تقديم الحال فكقولك جاء راكباً زيدِ وهذا بخلاف قولك جاء زيد راكباً إذ يحتمل أن يكون ضاحكاً أو ماشياً أو غير ذلك