المفعول على الفاعل وفصل بين الفعل والفاعل بالمفعول وبحرف الجر قصداً لتحسين النظمِ وعلى هذا فليس كل تقديم لما مكانه التأخير من باب الاختصاص فبطل إذاً ما ذهب إليه الزمخشري وغيره .
ومما ورد من هذا الباب قوله تعالى ( خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ) فإن تقديم الجحيم على التصلية وإن كان فيه تقديم المفعول على الفعل إلا أنه لم يكن ههنا للاختصاصِ وإنما هو للفضيلة السجعيةِ ولا مراء في أن هذا النظم على هذه الصورة أحسن من أن لو قيل خذوه فغلوه ثم صلوه الجحيم .
فإن قيل إنما قدمت الجحيم للاختصاص لأنها نار عظيمةِ ولو أخرت لجاز وقوع الفعل على غيرهاِ كما يقال ضربت زيداًِ وزيداً ضربتِ وقد تقدم الكلام على ذلك .
فالجواب عن ذلك أن الدرك الأسفل أعظم من الجحيم فكان ينبغي أن يخص بالذكر دون الجحيمِ على ما ذهب إليهِ لأنه أعظمِ وهذا لا يذهب إليه إلاّ من هو بنجوة عن رموز الفصاحة والبلاغةِ ولفظة الجحيم ههنا في هذه الآية أولى بالاستعمال من غيرها لأنها جاءت ملائمة لنظم الكلامِ ألا ترى أن من أسماء النار السعير ولظى وجهنمِ ولو وضع بعض هذه الأسماء مكان الجحيم لما كان له من الطلاوة والحسن ما للجحيمِ والمقصود بذكر الجحيم إنما هو النار أي صلوه النارِ وهكذا يقال في ( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ) فإنه إن لم يقدم السلسلة على السلك للاختصاصِ وإنما قدمت لمكان نظم الكلامِ ولا شك أن هذا النظم أحسن من أن لو قيل ثم اسلكوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاًِ والكلام على هذا كالكلام على الذي قبلهِ وله في القرآن نظائر كثيرةِ ألا ترى إلى قوله تعالى ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ) فقوله ( والقمر قدرناه منازل ) ليس تقديم المفعول فيه على الفعل من باب الاختصاصِ وإنما هو من باب مراعاة نظم الكلام فإنه قال ( الليل نسلخ منه النهار ) ثم قال ( والشمس تجري ) فاقتضى حسن النظم أن يقول ( والقمر