الحجاب بينه وبين الناس والجلوس للحكم في أوقات راحته وغير ذلك من الأشياء المكروهة التي تشق على النفس وتجدد لها ألما مبرحا والذبح هو قطع الحلقوم والألم حاصل به وهو كالذبح الحقيقي بل أشد منه لأن ألم الذبح الحقيقي يكون لحظة واحدة ثم ينقضي ويزول وألم قطع النفس عن هواها يدوم ولا ينقضي وهو أشد العذاب قال الله في عذاب أهل النار ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون ) وقال في نعيم أهل الجنة ( وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ) .
وكثيرا ما رأينا وسمعنا من حمله حب الشيء على إتلاف نفسه في طلبه وركوب الأهوال من أجله فإذا امتنع عنه مع حبه إياه فقد ذبح نفسه أي قطعها عنه كما يقطع الذابح حلق الذبيحة ولهذا قال النبي ( انتقلنا عن الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) فسمى جهاد الكفار الجهاد الأصغر وجهاد النفس الجهاد الأكبر فكما أن مجاهدة النفس عن هواها قتال بغير سيف فكذلك قطعها عن هواها ذبح بغير سكين وهذا موضع غامض والترجيح فيه مختص بالوجه الآخر لاشتماله على المعنى المقصود وهو المراد من القضاة على الإطلاق .
وأما مثال المعنيين إذا كان أحدهما مناسبا لمعنى تقدمه أو لمعنى تأخر عنه والآخر غير مناسب فالأول هو ما كان مناسبا لمعنى تقدمه كقوله تعالى ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) فالدعاء ههنا يدل على معنيين أحدهما النهي أن يدعى الرسول باسمه فيقال يا محمد كما يدعو بعضهم بعضا بأسمائهم وإنما يقال له يا رسول الله أو يا نبي الله الآخر النهي أن يجعلوا حضورهم عنده إذا دعاهم لأمر من الأمور كحضور بعضهم عند بعض بل يتأدبون معه بأن لا يفارقوا مجلسه إلا بإذنه وهذا الوجه هو المراد لمناسبة معنى الآية التي قبله وهو قوله تعالى ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) وأما الثاني وهو ما كان مناسبا لمعنى تأخر عنه فكقوله تعالى ( والتين والزيتون وطور سينين ) فالتين والزيتون هما هذا الشجر المعروف وهما اسما جبلين أيضا وتأويلهما بالجبلين أولى