وأما توكيد المتصل بالمتصل فكقوله تعالى في سورة الكهف ( فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله قال أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً ) وهذا بخلاف قصة السفينةِ فإنه قال فيها ( ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً ) والفرق بين الصورتين أنه أكد الضمير في الثانية دون الأولى فقال في الأولى ( الم أقل إنك ) وقال في الثانية ( الم أقل لك إنك ) وإنما جيء بذلك للزيادة في مكافحة العتاب على رفض الوصية مرة على مرةِ والوسم بعدم الصبرِ وهذا كما لو أتى الإنسان ما نهيته عنه فلمته وعنفتهِ ثم أتى ذلك مرة ثانيةِ أليس أنك تزيد في لومه وتعنيفه ؟ وكذلك فعل ههناِ فإنه قيل في الملامة أولاً ( الم أقل أنك ) ثم قيل ثانيا ( ألم أقل لك إنك ) وهذا موضع يدق عن العثور عليه ببادرة النظر ما لم يعط التأمل فيه حقه .
وأما توكيد المتصل بالمنفصل فنحو قوله تعالى ( فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ) فتوكيد الضميرين ههنا في قوله ( إنك أنت الأعلى ) أنفى للخوف من قلب موسىِ وأثبت في نفسه للغلبة والقهرِ ولو قال لا تخف إنك الأعلى أو فأنت الأعلى لم يكن له من التقرير والإثبات لنفي الخوف ما لقوله ( إنك أنت الأعلى ) .
وفي هذه الكلمات الثلاث وهي قوله ( إنك أنت الأعلى ) ست فوائد .
الأولى ( إنّ ) المشددة التي من شأنها الإثبات لما يأتي بعدهاِ كقولك زيد قائمِ ثم تقول إنَّ زيداً قائمِ ففي قولك إنَّ زيداً قائم من الإثبات لقيام زيد ما ليس في قولك زيد قائم .
الثانية تكرير الضميرِ في قوله ( إنك أنت ) ولو اقتصر على أحد الضميرين لما كان بهذه المكانة في التقرير لغلبة موسى والإثبات لقهره .
الثالثة لام التعريف في قوله ( الأعلى ) ولم يقل أعلى ولا عال لأنه لو قال ذلك لكان قد نكرهِ وكان صالحاً لكل واحد من جنسهِ كقولك رجل فإنه يصلح