النوع الخامس .
في توكيد الضميرين .
إن قيل في هذا الموضع إن الضمائر مذكورة في كتب النحو فأي حاجة إلى ذكرها ههنا ولم نعلم أن النحاة لا يذكرون ما ذكرته ؟ .
قلت إن هذا يختص بفصاحة وبلاغةِ وأولئك لا يتعرضون إليهِ وإنما يذكرون عدد الضمائرِ وأن المنفصل منها كذاِ والمتصل كذاِ ولا يتجاوزون ذلكِ وأما أنا فإني أوردت في هذا النوع أمراً خارجاً عن الأمر النحويِ وأعني بقولي ( توكيد الضميرين ) أن يؤكد المتصل بالمنفصلِ كقولك إنك أنتِ أو يؤكد المنفصل بمنفصل مثلهِ كقولك أنت أنتِ أو يؤكد المتصل بمتصل مثلهِ كقولك إنك إنك لعالمِ أو إنك إنك لجواد .
وإنما يؤتى بمثل هذه الأقوال في معرض المبالغةِ وهو من أسرار علم البيان .
ولنقدم في ذلك قولاً يحصره ويجمع أطرافه فنقول .
إذا كان المعنى المقصود معلوماً ثابتاً في النفوس فأنت بالخيار في توكيد أحد الضميرين فيه بالآخرِ وإذا كان غير معلومِ وهو مما يشك فيه فالأولى حينئذ أن يؤكد أحد الضميرين بالآخر في الدلالة عليهِ لتقرره وتثبته .
فمما جاء من ذلك قوله تعالى ( قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ) فإن إرادة السحرة الإلقاء قبل موسى لم تكن معلومة عنده لأنهم لم يصرحوا بما في أنفسهم من ذلكِ لكنهم لما عدلوا عن مقابلة خطابهم موسى بمثله إلى توكيد ما هو لهم بالضميرين اللذين هما نكون ونحن دل ذلك على أنهم يريدون التقدم عليه والإلقاء قبله لأن من شأن مقابلة خطابهم موسى بمثله أن كان قالوا إما أن تلقي وإما أن نلقي لتكون الجملتان متقابلتينِ فحيث قالوا عن أنفسهم ( وإما أن نكون نحن الملقين ) استدل بهذا القول على رغبتهم في الإلقاء قبله