خطابا لنفسك فإن ذلك من باب التوسع وأظن أنه شيء اختصت به اللغة العربية دون غيرها من اللغات .
والفائدة الثانية وهي الأبلغ وذاك أنه يتمكن المخاطب من أجراء الأوصاف المقصودة من مدح أو غيره على نفسه إذ يكون مخاطبا بها غيره ليكون أعذر وأبرأ من العهدة فيما يقوله غير محجور عليه .
وعلى هذا فإن التجريد ينقسم قسمين أحدهما تجريد محض والآخر تجريد غير محض .
فالأول وهو المحض أن تأتي بكلام هو خطاب لغيرك وأنت تريد به نفسك وذلك كقول بعض المتأخرين وهو الشاعر المعروف بالحيص بيص في مطلع قصيدة له .
( إلاَمَ يَرَاكَ المَجْدُ في زِيِّ شاعِرِ ... وَقَدْ نَحلت شَوْقاً فُرُوعُ المَنَابِرِ ) .
( كَتَمْتَ بِعَيْبِ الشِّعْر حِلْمَاً وَحِكْمَةً ... بِبَعْضِهِمَا يَنْقَادُ صَعْبُ المَفَاخِرِ ) .
( أَمَا وَأًبِيكَ الْخَيْرِ إِنَّكَ فَارِسُ الْمَقَالِ ... وَمُحْيِي الدَّارِسَاتِ الَغَوَابِرِ ) .
( وَإِنَّكَ أَعْيَيْتَ المَسَامِعَ وَالنُّهَى ... بَقَوْلِكَ عَمَّا فِي بُطُونِ الدَّفَاتِرِ ) .
فهذا من محاسن التجريد ألا ترى أنه أجرى الخطاب على غيره وهو يريد نفسه كي يتمكن من ذكر ما ذكره من الصفات الفائقة وعد ما عده من الفضائل التائهة وكل ما يجيء من هذا القبيل فهو التجريد المحض .
وأما ما قصد به التوسع خاصة فكقول الصمة بن عبد الله من شعراء الحماسة